قراءة في كتاب – «القراءة أولا» لـمحمد عدنان سالم


بعنوان «القراءة أولا» أصدرت دار الفكر ببيروت للكاتب السوري محمد عدنان سالم؛ رئيس اتحاد الناشرين في الجمهورية العربية السورية، ونائب رئيس اتحاد الناشرين العرب -سابقا- كتابه هذا في طبعة أولى سنة 1993م، وفي نسخة ثانية سنة 1994م، لتعيد طبعه مرة أخرى سنة 2010م في حجم متوسط يقع في 176 صفحة.
قيمة الكتاب العلمية:
قيمة الكتاب تبرز من خلال عنوانه، حيث يرى مؤلفه أن أولى الأولويات في حياة الإنسان هي القراءة، باعتبار ضرورتها التي لا تقل أهمية عن ضرورة الأكل والشرب، بوصفها مقياسا لتحضر الشعوب، ورمزا للتقدم، ومنبعا من منابع العلم والمعرفة. فعن أهمية القراءة تحدث مباحث هذا الكتاب، وهي محاولة من الدكتور محمد عدنان لنشر ثقافة القراءة والتشجيع عليها، وترسيخها كعادة لدى أبناء الأمة الإسلامية.
فبأسلوب شيق، وبنفس إسلامي، وتحليل علمي موضوعي، وبطريقة مميزة، يعرض المؤلف لموضوعات كتابه بتقديم مادة علمية متينة، يؤسس من خلالها لعقلية القارئ المرجوة، وذلك ببيان الوسائل المُعِينة على ممارسة القراءة، في أفق إعادة الاعتبار لهذا الفعل الذي أصبح متروكا من لدن أُمّةٍ كان أول خطاب موجه لها هو كلمة «اقرأ».
إنه كلام رجل خبير عاش مع الكتاب تأليفا ونشرا، له من التجربة ما يؤهله لمعرفة خبايا وواقع الكتاب والقراءة في العالم العربي، ورصد الوسائل الناجعة لإعادة الاعتبار لهما، وهو ما سيتطرق إليه بتفصيل من خلال هذا العمل القيم.
موضوعات الكتاب:
هذا الكتاب كما قلنا هو محاولة لرصد أسباب تراجع مستوى القراءة في العالم الإسلامي، وبحث في الوسائل الممكنة للتشجيع على القراءة وتحفيز الناس عليها، وقد تناول المؤلف موضوعاته من خلال ثلاثة محاور كبرى هي بمثابة أسئلة محورية سيجيب عنها من خلال صفحات الكتاب، ليعالج فيها جملة من القضايا المتعلقة بفعل القراءة، يقول المؤلف: «وهذا الكتاب محاولة متواضعة للإجابة عن سؤال الغيٌر على (القراءة): ”ما الذي يمكن أن نفعله لكي نشجع الناس على القراءة وعلى الاستزادة منها؟”، ولسوف يجيب من خلال هذا السؤال الكبير عن أسئلة فرعية هامة: ما القراءة؟ لماذا (القراءة..أولا)؟، لماذا لا نقرأ؟ لماذا يجب أن نقرأ؟ متى نقرأ؟ ماذا نقرأ؟ كيف نقرأ؟» (ص 19).
في ثنايا الكتاب:
على عكس ما يمكن أن يراه البعض من أولويات يمكن أن تكون المنطلق لنهضة المجتمع العربي والإسلامي بالتركيز على جانب معيّن أو وسيلة من وسائل التقدم التي من شأنها أن تضع أسس البناء الحضاري، يرى الكاتب أن لا شيء يمكن أن يتحقق قبل القراءة (لا حرية، ولا ديموقراطية، ولا وحدة، ولا اقتصاد).
فالقراءة هي التي تحدد معالم هوية المجتمع، وذلك باستقراء ماضيه وحاضره من أجل استشراف مستقبل واعد بالعطاء والإنجازات، واعتبر الكاتب أن الشعب الذي لا يقرأ لا يستطيع أن يعرف نفسه ولا غيره.
وفيما إذا كانت هذه الأمة تقرأ أم لا؟ يجيب الكاتب بالنفي، معلّلاً ذلك بأزمة الكساد التي يعرفها إنتاج الكتب في العالم العربي نتيجة هجران القراءة.
واعتبر أن العزوف عن القراءة لا يعاني منه المتعلم فقط، بل امتد ليصيب المُعَلّم أيضا، داعيا إلى ضرورة الاستفادة من وسائل التشجيع على القراءة المتبعة في العالم، لإكساب الناشئة عادة القراءة، ولإغراء المتعلمين الذين هجروا القراءة بالعودة إليها. فهي الكفيلة بهداية الإنسان من خلال استعمال كل وسائل المعرفة التي منحها الله إياه. فللقراءة قدسيتها، وممارستها من قبل الإنسان إنما تكون باعتباره خليفة الله في الأرض، لذلك لا يليق به أن يبقى أميّا، فأحقيته بهذه الخلافة لا تتأتى إلا بفضل العلم.
وتحدث الكاتب عن تطور الكتابة من خلال تطور الوسائل، ثم تطرق إلى مفهوم القراءة في المعاجم اللغوية، مع رصد التطور الذي لحق هذا المفهوم من المعنى البسيط المتمثل في القدرة على التعرّف على الحروف والكلمات، إلى العملية العقلية المعقدة والمتمثلة في القراءة الناقدة.
ويرى في سباق الأمم نحو الريادة الحضارية سببا للاهتمام بالقراءة، فهي طريق الأمم نحو الرقي، وخير مثال على ذلك اليونان لما كانوا أكثر الناس قراءة سيطروا على جزء كبير من العالم، كما أن المسلمين في وقت وجيز ملكوا الدنيا شرقا وغربا، في حين أن الغرب اليوم يسيطر على خيرات العالم لصلته الشديدة بالقراءة.
فالقراءة هي الصلة بين الإنسان ومحيطه، فكلما غفل عنها ابتعد عن ركب الحضارة، وأدى به ذلك إلى الجمود والتقليد، فالمعارف إنما تتراكم وتنمو بالاجتهاد.
وقد اعتبر الكاتب أن إهمال القراءة مناقض للفطرة، فهي بالإضافة إلى كونها تحقق للإنسان العلم والثقافة، فهي سبب للمتعة والتسلية وهي رياضة للعقل، لذا لا ينبغي –اليوم- لوسائل الاتصال الحديثة أن تكون عائقا أمام القراءة، بل ينبغي أن تكون خادمة لها، من خلال برامج التعريف بالكتب ولفت الأنظار إليها، وإثارة المناقشات حولها.
وقد وجه الكاتب سهام انتقاداته للمناهج التعليمية التي لا تتيح للمتعلم فرصة الاجتهاد والإبداع،وهذا ما يدعو الملكات الشابة إلى أن تطفئ ظمئها العلمي والأدبي خارج نطاق البرامج التعليمية التي لا تصلح –في نظره- إلا لمحو الأمية.
فمواجهة تحديات العصر تقتضي أن تنهض هذه الأمة فتخرج من عالم الأشياء والأوثان إلى عالم الأفكار، دون فرض أي قيد على القراءة يحول بين الإنسان والإبداع، فيكون حاجزا يعوقه عن التقدم. ففرض الوصاية الفكرية على الأجيال سوف يؤدي بها إلى الجمود والتخلف.
وعن أنواع القراءة والقراء تحدث الكاتب عن تفاوت مستويات الإقبال على القراءة لدى الأفراد، واختلاف درجات الانتفاع بها، وحددهم في أصناف، ثم انتقل إلى جرد أسباب العزوف عن القراءة، مُبَيّنا أن القلة القليلة هي التي تَقبل إمكانية التغيير إلى الأفضل، مع تفاوت في هذه القابلية بين الناس، كما أن هناك تفاوت في سرعة الاستجابة لهذا التغيير، واصفا أهم المراحل التي ينبغي مراعاتها في عملية التغيير هذه، وذلك من أجل ترسيخ عادة القراءة في النفوس، وهنا يذكر دور بعض الجهات التي ينبغي أن تضطلع بهذا الدور مثل المدرسة، والمجتمع، ومعارض الكتب، مع تظافر كل الجهود الأخرى.
ثم انتقل للحديث عن بعض مهارات القراءة التي من شأنها أن تثمر نفعا، مُبَيّنا الوسائل التي تساعد على تنمية هذه المهارات، انطلاقا من الهدف الذي يحدده القارئ نفسه، وكذا الدوافع الباعثة على القراءة لديه.
وباعتبارنا أمة مسلمة لم يُفَوِّت الكاتب الفرصة ليحدثنا عن مكانة قراءة القرءان الكريم ودورها في تحفيز الانسان المسلم على القراءة، إذا ما توفرت فيها الشروط العلمية اللازمة، مستدلا بكيفية قراءة الرسول والسلف الصالح.
كما أسدى الكاتب جملة من النصائح للقراء من شأنها أن تعينهم على تدبير وقتهم ومالهم من أجل تشجيعهم على القراءة.
إن الهدف من هذا الكتاب هو الإسهام في تحفيز أفراد أمتنا من أجل العودة إلى مصالحة القراءة، ومن ثم العودة للريادة الحضارية، يقول الكاتب: «وإذا كنا قد انتابتنا غفوة طويلة، تخلفنا بسببها عن ركب الحضارة، فإن كلمة «اقرأ» لا تزال قادرة على إيقاظنا، وحفزنا لنعود سيرتنا الأولى».

الباحث جليل أقديم

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>