إن قضية الاهتمام بأمور المسلمين من القضايا الواجبة على كل فرد من المسلمين، فكل الآلام والأوجاع التي تعيشها الأمة الإسلامية الآن، يجب أن تكون آلام وأوجاع وآهات كل مسلم، فالكثير من المسلمين الآن أصبحوا لا يهتمون بأمور إخوانهم وحال الأمة وما تعيشه من هجمات على مقدساتها وتراثها وأركانها إلا النزر القليل وقليل ما هم، ومن جوانب الاهتمام بأمور المسلمين الدعاء لهم في ظهر الغيب، الدعاء بالفرج، الدعاء بالنصر، الدعاء بالصلاح؛ لأن الدعاء سلاح المسلم الذي لا يهزم وذخيرته التي لا تنفذ، فالدارس للنهج النبوي الشريف يجد أن النبي في الغالب الأعم عندما يدعوا بدعاء لنفسه يستعمل «نون» الجماعة ليشمل دعاؤه الأمة، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ طِيبَ النَفْسٍ قُلْتُ: يَا رَسُول َاللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، ومَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ»، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِ رسول الله مِنَ الضَّحِكِ، قَال َلَهَا رَسُولُ اللَّهِ : «أَيَسُرُّكِ دُعَائِي»؟ فَقَالَتْ: وَمَالِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ، فَقَالَ : «وَاللَّهِ إنَّهَا لَدعوتي لِأُمَّتِي فِي كل صلاة» (أخرجه ابن حبان، والحاكم بلفظ قريب، وصححه الألباني).
وقد بوَّب النووي لصحيح مسلم باب دعاء النبي لأمته وبكائه شفقة عليها، وفيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: “أن النبي : تلا قول الله في إبراهيم: رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي.. (الْآيَةَ)، وَقَالَ عِيسَى : إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِر لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أمَّتِي» وَبَكَى، فَقَال اللَّهُ : «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ –وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيه؟»، فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِمَا قَالَ، –وَهُوَ أَعْلَمُ-، فَقَالَ اللَّهُ تعالى: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ».
ولاشك أن كثرة دعائه لأمته إحدى معالم حرصه ورأفته ورحمته بأمته التي وصفه بها القرآن: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (التوبة: 28). ولعل دعاءه لأمته من الكثرة ما يمكن أن تكون بعد كثرة استغفاره والله تعالى أعلم. ولقد خبّأ أعظم دعواته، وهي الدعوة المستجابة لكل نبي لأمته، للشفاعة العظمى لأمته يوم القيامة كما جاء بذلك الحديث الصحيح.
ومن أعظم ما كان يدعو به النبي لأمته كلها المغفرة، وقد أمره القرآن بها، فعن عبد الله بن سرجس قَالَ: “أتيْتُ النَّبِيَّ ، وَأَكَلْتُ مَعَهُ خُبْزًا، وَلَحْمًا، أَو قَالَ: ثَرِيدًا، قَالَ، فَقال لي القوم: أَسْتَغْفَر َلَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَكم، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَاسْتَغْفِر لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (محمد: 19)، قَالَ: ثُمَّ دُرْتُ خَلْفَهُ، فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عِنْدَ نَغِضِ (أعلى) كَتِفِهِ الْيُسْرَى جُمْعًا عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَمْثَال ِالثَّآلِيلِ”.
وعَنْ أمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَال َالنَّبِيّ : «مَنْ قَالَ كُلَّ يَوْم اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِلْمُؤْمِنِين َوَالْمُؤْمِنَاتِ أُلْحِقَ بِهِ مِنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ حَسَنَةً» (رواه الطبراني).
ولاشك أن دعاء النبي لأمته من الكثرة بمكان؛ لأنه جاء لهدايتها وإخراجها من الظلمات إلى النور. وكذلك كان صحابته رضوان الله عليهم، وهو ما جعلني أتساءل ما حظ الأمة الآن من دعاء الفرد؟ فكثيرا ما نسمع المسلمين يدعون في سجودهم وبعد صلاتهم أو عند مذاكرتهم بأدعية يغلب عليها طابع «الأنا» لهذا حركتني مشاعر الكتابة في الموضوع، وذلك لأهميته، فبقاء الفرد ببقاء الأمة؛ لأنها هي الوحدة التي تجمع، والكثيبة التي إليها المفزع، فلعل الفرج يأتي من دعاء عبد صالح خفي دعوته عند ربه لا ترد، أو من أحد عنده مكانة عند الباري ، بحيث لو رفع يديه إلى السماء استحيا الله سبحانه وتعالى أن يرجعهما صفرين، خاويتا الوفاض.
فاللهم يسر أمورنا وأمور المسلمين أجمعين، وفرج كربة المكروبين واقض الدين عن المدينين واهدنا الصراط المستقيم. آمين.
نور الدين بالخير