لآلئ وأصداف – الوراثتان (2)


دعاء بالشفاء
تعرض الأستاذ الدكتور حسن الأمراني لوعكة صحية أولجته المستشفى للعلاج.
نسأل الله العلي القدير أن يعجل بشفائه، ويديم عليه الصحة والعافية.
آمين

أن يرث المومنون الأرض التي كانت بيد الكفار هو وعد من الله تعالى، كما قال سبحانه في شأن يهود المدينة الذين نقضوا المواثيق التي كانت بينهم وبين رسول الله ، فكتب الله عليهم الجلاء: وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (الأحزاب: 27).
قال المراغي في تفسيره: وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطؤوها ، أي وأورثكم مزارعهم ونخيلهم، ومنازلهم وأموالهم التي ادخروها، وماشيتهم من كل ثاغية وراغية، وأرضا لم تطؤوها، وهي الأرضون التي سيفتحها المسلمون حتى يوم القيامة، قاله عكرمة واختاره أبو حيان .
وفي سورة الأعراف 128: قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .
فالوراثة هنا أيضا أرضية دنيوية، ولكن التعقيب بقوله تعالى: والعاقبة للمتقين يحتمل الوجهين: العاقبة الدنيوية والعاقبة الأخروية. ولذلك قال الفخر الرازي، في تفسيره: قوله: والعاقبة للمتقين ، فقيل: المراد أمر الآخرة فقط، وقيل: المراد أمر الدنيا فقط، وهو: الفتح، والظفر، والنصر على الأعداء، وقيل المراد مجموع الأمرين، وقوله: (للمتقين) إشارة إلى أن كل من اتقى الله تعالى وخافه فالله يعينه في الدنيا والآخرة .
وقد جمع الواحدي في تفسير الآية بين أن تكون الأرض هي الملك الأرضي الذي وعد الله به عباده، وبين الجنة، فقال: فشكا بنو إسرائيل إلى موسى إعادة القتل على أبنائهم فقال لهم موسى: استعينوا بالله واصبروا على ما يفعل بكم إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، أطمعهم موسى أن يعطيهم الله ملكهم ومالهم والعاقبة للمتقين ، أي الجنة لمن اتقى، وقيل النّصْر والظفَر .
وقد مال الفخر الرازي إلى القول بأن الوراثة هنا دنيوية، إلا أنه لم ينكر وراثة الآخرة، باستعماله لفظ: (وقد قيل)، دون أن يردّه، فقال: ثم حكى تعالى عن موسى أنه قال لقومه: استعينوا بالله واصبروا ، وهذا يدل على أن الذي قاله الملأ لفرعون، والذي قال فرعون لهم قد عرفه موسى عليه السلام ووصل إليه، فعند ذلك قال لقومه: استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين . فههنا أمرهم بشيئين وبشّرهم بشيئين. أما اللذان أمَــرَ موسى بهما؛ فالأول: الاستعانة بالله تعالى. والثاني: الصبر على بلاء الله. وإنما أمرهم أولا بالاستعانة بالله، وذلك لأن من عرف أنه لا مدبر في العالم إلا الله تعالى انشرح صدره بنور معرفة الله تعالى، وحينئذ يسهل عليه أنواع البلاء، ولأنه يرى عند نزول البلاء أنه إنما حصل بقضاء الله تعالى وتقديره. واستعداده بمشاهدة قضاء الله، خفف عليه أنواع البلاء، وأما اللذان بشر بهما؛ فالأول: قوله: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده وهذا إطماع من موسى قومه في أن يورثهم الله تعالى أرض فرعون بعد إهلاكه، وذلك معنى الإرث، وهو جعل الشيء للخلف بعد السلف. والثاني: قوله: والعاقبة للمتقين ، فقيل: المراد أمر الآخرة فقط، وقيل: المراد أمر الدنيا فقط وهو: الفتح، والظفر، والنصر على الأعداء، وقيل المراد مجموع الأمرين، وقوله: للمتقين إشارة إلى أن كل من اتقى الله تعالى وخافه فالله يعينه في الدنيا والآخرة.
وأما الإمام المراغي، من المعاصرين، فقد جعل الأرض الموعودة هنا هي فلسطين بخاصة، فقال في هذه الآية: أي قال لهم يا قوم: اطلبوا معونة الله وتأييده على رفع ذلك الوعيد عنكم، واصبروا ولا تحزنوا، فإن الأرض (فلسطين) التي وعدكموها ربكم هي لله الذي بيده ملكوت كل شيء يورثها من يشاء من عباده، لا لفرعون، فهي على مقتضى سننه دول وأيام، والعاقبة الحسنى لمن يتقون الله ويراعون سننه في أسباب إرث الأرض، باتحاد الكلمة، والاعتصام بالحق، وإقامة العدل، والصبر على الشدائد، والاستعانة بالله لدى المكاره، ونحو ذلك مما هدت إليه التجارب ودلت عليه الشرائع».
وكذلك قال ابن عاشور إن الأمر يتعلق بالملك الأرضي، وعلل ذلك فقال: وقوله: إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده كناية عن ترقب زوال استعباد فرعون إياهم، قصد منها صرف اليأس عن أنفسهم الناشىئ عن مشاهدة قوة فرعون وسلطانه، بأن الله الذي خوله ذلك السلطان قادر على نزعه منه لأن ملك الأرض كلها لله فهو الذي يقدر لمن يشاء ملك شيء منها وهو الذي يقدر نزعه.
وجملة: والعاقبة للمتقين تذييل، فالمراد بالعاقبة هنا عاقبة أمورهم في الحياة الدنيا ليناسب قوله إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، وتشمل عاقبة الخير في الآخرة لأنها أهم ما يلاحظه المؤمنون .
وقال الشيخ المكي الناصري رحمه الله تعالى: وقول كتاب الله هنا على لسان موسى : استعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الآية، يمثل حقيقة دينية، وحقيقة كونية، وسنة إلهية، فالتضحية والصبر، كانا دائما ولا يزالان مفتاح الغلبة والنصر، والاستعانة بالله والاعتماد عليه بعد اتخاذ الأسباب، هما الوسيلة الفعالة للنجاح والتغلب على الصعاب، والأرض ملك لله إنما يعيرها لخلقه للارتفاع والانتفاع، وإنما يستخلف فيها –أعزاء كرماء– أولئك الذين يتقون ولا يفسقون، فإن فسقوا وظلموا وأفسدوا استبدل بهم قوما آخرين والعاقبة للمتقين .
وللحديث صلة إن شاء الله تعالى

يلتقطها د. الحسن الأمراني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>