… تمر الأمة الاسلامية والعربية بظروف شديدة القساوة ومآس تشيب لهولها الولدان ويصبح فيها الحليم حيران. الأمة اليوم مكبلة في قيد ذَرْعَه السماوات والأرض من الفقر والعوز والمسغبة وأبناؤها بين قتيل وغريق أو مغيب خلف الشمس في سجون ظالم مظلمة بتهم سخيفة أو حتى بدون تهم أصلا… حدث ذلك لما بدت نسمات الحرية والكرامة تدب في أجساد نبيلة أرهقها الذل والاستعباد لعقود طويلة… لما انكسر حاجز الخوف في الأمة وبدأت تتخلص من جلاديها الواحد تلو الآخر وتلقي بهم في أقرب مزبلة للتاريخ … واستعاضت عنهم بمن تثق في إخلاصهم وإيمانهم وحبهم لأوطانهم وشعوبهم عبر الآليات الديمقراطية التي ظل الغرب ومن والاه يرفعها ويدعو إليها ويجبر الناس عليها طيلة عقود من الزمن…
طبعا لم يكن ذلك ليرضي الأسياد الكبار فنظروا ثم عبسوا وبسروا ثم أدبروا واستكبروا فقالوا ان هذا إلا إرهاب يريد أن يبدل حضارتكم وينشر في الأرض الفساد… فتصدوا له جميعا في وقفة رجل واحد ورموه من قوس واحد حتى يتفرق دم الأمة بين القبائل، وأحلوا الفوضى «الخلاقة» في بلدان الشرق الأوسط وأمعنوا في أهلها ذبحا وتشريدا وتهجيرا بأيدي عصابات الثورة المضادة التي تولى كبرها مع الأسف الشديد بعض من كنا نظنهم على خير… (وكان أبوهما صالحا) طبعا بمساعدة بعض شداد الآفاق وأصحاب السوابق وعصابات وذوي الأهواء والتقليد التاريخي الأعمى والتعصب الأسود…
ومع ذلك فمهما ادلهمت الخطوب وتكالبت على الأمة النكبات والمؤامرات فما ذلك إلا لحكمة ربانية بالغة حتى تتمحص الأمة وتخرج الخبث عنها فتصفوا وتتزكى حتى ترقى لمستوى تحمل الرسالة المنوطة بحملها من لدن العزيز الغفار مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰيَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب (النساء: 179) وحتى تكون في مستوى الشهادة على الناس يوم القيامة وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (البقرة: 143) وحتى تكون الأمة كذلك عليها أن تتمحص وتتطهر بالابتلاءات والشدائد أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (البقرة: 214)، وأيضا على الأمة ألا تفقد الأمل وتحسن الظن بالله وتحسن العمل أيضا فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل؛ ففقدان الأمل يفضي إلى اليأس وهو في الشرع محرم، بل قرنه الله تعالى بالكفر في قوله تعالى وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (يوسف: 87) فلا حياة مع اليأس…
فأمة أخرجت للناس لتصلح الأرض وتعمرها بمقتضى التكليف والاستخلاف الرباني لا يحق لها أن تيأس أبدا لأن ذلك يعني سوء ظن بالله تعالى وقد وعدهاربها جل وعلا بالنصر والتمكين والفوز في الدنيا والآخرة وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًاۚيَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 55).
صدق الله العظيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ذ: عبد القادر لوكيلي