بسواعدنا 1


في صبيحة يوم جميل يستوحي جماله من هبات الله تعالى التي تعلمنا ضرورة تجديد العهد والعزم، غادرت بيتها كعادتها بالدعاء أن يهبها الله تعالى الصدق والإخلاص في الأقوال والأفعال والأحوال، مستشعرة ثقل الأمانة الملقاة على عاتقها، فقد اختارت مهنة التدريس التي تعد ميراث الأنبياء، ميراثا يجعل من يأخذ به عطاء وبذلا يأخذ بحظ وافر من نعيم الدنيا والآخرة.
وصلت الى مقر عملها وكلها نشاط وحيوية، واستقبلت طلابها بابتسامتها المعهودة التي تبث في مشاعرهم وميض الأمل، وتشعرهم بدفء محبة المربي والمعلم. سجلت على السبورة حكمة اليوم وكانت: «الأحلام مقيدة بهمم أصحابها». سجل الطلاب الحكمة في المكان المخصص لذلك وسألتهم عما فهموه من المقولة، فتعددت إجاباتهم التي أصابت في مجملها حقيقة المعنى ومغزاه.
أخبرتهم أن لكل منا أحلاما تسبح في أبحر خياله ويطمح أن يجعلها واقعا، وأن حلمها أن يصير التعليم هادفا ومنتجا، تتعدد فيه المبادرات وتكثر فيه البصمات المميزة في العطاء والتحصيل والإبداع والتألق.
عرَّفتهم بحلمها الذي تعتزم إنجازه بمعيتهم، والذي أطلقت عليه «مشروع بسواعدنا»؛ واقترحت أن تكون الخطوة الأولى في المشروع إحداث تغيير في حجرة الدراسة، لأن المكان الذي تضمهم جدرانه للتحصيل العلمي حري أن يكون جنة غناء تريح النفوس لتمهد لقبول المعرفة بانشراح. فرسالة التعليم رسالة سامية ينبغي أن تمارس في مكان سام يُشعر بقدسية الرسالة.
أقنعتهم أن بسواعدنا واتحادنا يمكننا تحقيق أحلامنا التي نؤمن بها، وأن التوفيق من الله حليف من صدق في عزمه كما يقول ابن القيم رحمه الله: «المعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم بحسب ذلك».
ثم فتحت لهم باب النقاش وهي تصغي لاقتراحاتهم وتطلعاتهم التي توالت في انسيابية؛ فاتفقوا على إعادة طلاء الجدران وتزيين حجرة دراستهم التي أعربوا عن حبهم لها لأنها بمثابة المسجد؛ ففيها يتعلمون القرآن والحديث وعلومهما.
عمل الطلاب بدأب حثيث على تحقيق حلم تبنوه بعد إيمان صادق به، فكونوا مجموعات وتوالت الإسهامات المصحوبة بإبداعات في التفكير والاقتراح.
وفي عطلة نهاية الفصل الأول من الدراسة شمرت السواعد لتجسيد الحلم على أرض الواقع، وإخراجه من عالم الأفكار إلى عالم الحس والمشاهدة بتفان في العمل وإخلاص منقطع النظير. فقد عملت فئة من الطلاب على جعل الفصل مثالا في الأناقة والروعة، فأضحى كل مكان فيه لوحة تعرب عن إبداع في الاختيار وإصابة في القرار.
كانت المفاجأة كبيرة لبقية الطلاب عند التحاقهم بالفصل الدراسي بعد انتهاء العطلة، فلم يتصور معظمهم أن المشروع سيكلل بهذا النجاح المبهر، كل شيء تغير بصورة تدهش الألباب، فقد تم اختيار ألوان الجدران بدقة، وأثثت بلوحات وصور رائعة الجمال.
رأت المدرسة في عيون طلابها بهجة وفرحة عارمة، كما أن بعضهم عبر عن ذلك بالشكر والامتنان لكل من أبلى بلاء حسنا في إنجاح المشروع. لم تترك الفرصة تمر دون قراءة الحدث والاستفادة منه، قائلة: ما يقوله نجاحكم بلسان حاله أننا إذا حدثنا أنفسنا بأننا نستطيع فعل شيء ما فإننا نستطيع فعله بعون الله وتسديده، وأما إذا خاطبناها بسلبية وعجز وقلنا لا نستطيع فلن ننجز شيئا. فالإرادة والعزيمة القوية تصنع ما لا تتخيله عقول الكسالى، وكذا إذا قلنا سننجح في تحصيلنا ودراستنا فنحن نستطيع ذلك، فما تحدثنا به النفس يبدأ خواطر فيتحول إلى أفكار، فتصير الأفكار أعمالا وقد تصبح عادات وقد تصير العادات طباعا تدمر الحياة.
وقد علّمنا إنجاز الخطوة الأولى من «مشروع بسواعدنا» أن في اتحادنا قوةً، وفي تواصينا بالعزم والتألق قوةً. وفي إيجابيتنا قوةً، وفي إنجازنا نجاحاً وتحقيقا للمبتغى والمراد.
والتعليم يا أبنائي في بلدنا يحتاج الى سواعدكم وإلى اقتراحاتكم ومشاريعكم وتطلعاتكم، ويفتقر إلى صدق حبكم لرسالته، وتسلحكم بيقظة الجد لتحصيل فوائده.
اجعلوا حلمكم يمتد ويلون بجماله كل حجرات دراستكم، كونوا سفراء الذوق السليم والأناقة في مؤسساتكم..
أعيدوا لأمة اقرأ مجدها باحترامكم لمعلم تدينون له بتعليمكم، ولأقسام تدينون لها باحتوائكم وتدفئتكم. فالحر إن كان من اهل الكرم اعترف بالنعم وشكر المنعم.
لا تصغوا أبنائي لم يقتل فيكم بذور الخير، ولا تلتفتوا لمن يناديكم على طرقات التمرد والفساد ويحصر هممكم في اشباع نزوة ورغبة واقتراف زلة، فأنتم أعظم وأسمى من ان تكونوا فريسة الضلال.
نحتاجكم أبنائي روادا تزرعون القيم في أمتكم، وتعلمون أقرانكم مكارم الاخلاق بالقدوة الحسنة، فأنتم أمل هذه الامة، وأنتم عزها ومجدها.

دة. رجاء عبيد


اترك رداً على زهور ام يحيي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>

One thought on “بسواعدنا