المنهاج هو الطريق الواضح المستقيم الموصل إلى المقصود، والمنهج هو المنظار الذي ينظر به الإنسان إلى الحياة والوجود.
والمنهاج هو نسق يضبط به الإنسان رؤيته وتصوره، ونظام من القواعد والضوابط الذي يزن به تصرفه، ولا يربي المجتمع أفراده إلا عليه، ولا يلزمهم بشيء أكثر من إلزامهم بالاستقامة عليه، ولا يرجعون عند الاختلاف إلا إليه.
فالمنهاج هو المنظم للتصور والتصرف معا، ولا فصل بينهما، وإنما هو وصل، ولا تعارض بينهما بل تعاضد. ولا يتصور أن يكون للمرء منهجان، واحد لنظام التصور والتفكير، وآخر لنظام التصرف والتدبير…
ونظرا لقيمة المنهج في تسديد الفكر والنظر وتصويب السلوك والعمل فقد أنزل الله تعالى الوحي وبعث الرسل ليضع بين أيدي الناس منهج العلم والعمل، والتصور والتصرف، ومنهج التفكير والتعبير والتدبير قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ (الحديد: 25). والوحي باعتباره متضمنا لمنهج الله هو قواعد للتصور والتصرف معا: قواعد لا يصح الإيمان بالله جل وعلا إلا بها، وقواعد لا يصلح التصرف مع الخلائق إلا بها، وقواعد لا تُحل مشاكل الإنسان الحل الحقيقي إلا بها، ولا ينتظم العيش ولا التعايش إلا على ميزانها.
ومنهاج الله جل وعلا هو شرعه، وصراطه المستقيم الذي لا يفرق فيه بين العقيدة والشريعة، ولا بين العلم والعمل، وشرع الله ومنهجه ليس إلا دينه الذي بعث به رسله جميعا: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰوَعِيسَىٰأَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (الشورى: 13).
منهاج الله تعالى هو ما نزل به القرآن الكريم وما صح من سنة رسول الله من قواعد لمعرفة الله حق معرفته والعلم به وطاعته في ما فرض وأوجب.
ومنهاج الله جل وعلا هو المنهاج الأمثل في بناء الإنسان الصالح المستقيم على السلوك الأقوم والخلق الأفضل، والعيش الأسلم. قال تعالى : لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا (المائدة: 48).
وهو المنهاج الأكمل القمن بإنشاء الأمة الشاهدة على الناس الموكول إليها إقامة العمران النافع.
وهو المنهاج الأسَدُّ في إرساء نظام سياسي أهدى وأرشد، أعدل وأفضل.
وهو المنهاج الأنسب لما جبل عليه الناس من الفطرة، والأصلح لما بينهم من العيش والعشرة.
ولقد لحق الأمة اليوم انحراف كبير عن منهج الله تعالى فكثر الهرج والمرج وتعالى، وتتابع الخروج عن منهج الله تعالى وشرعه وتوالى. فدبت في جسم الأمة الأمراض، وتفاقمت سلوكات الانتقاد والاعتراض، ودعاوى التحرر من شرع الله تعالى والتمرد عليه، ورفض السير عليه وإبعاده من دائرة الحكم والتدبير، والتوجيه والتسيير والتيسير. غير أنه آن الأوان إلى أن تؤوب الأمة إلى ظلال ربها وتتوب من غيها، فالحاجة ماسة اليوم إلى بناء الأمة لذاتها انطلاقا من مرجعيتها الإيمانية ومرتكزاتها الحضارية ومقوماتها المنهاجية.
ففي مجال تدبير الشأن العام تحتاج الأمة إلى إعمال منهاج الإسلام في إقامة الأحكام ورعي مصالح الأنام، لينعم أبناؤها في ظلال الإسلام الآمنة.
قال تعالى : ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون (المائدة : 50).
وفي قطاع الاقتصاد لا يمكن القضاء على ما فيه من فساد ومظاهر جديدة للاستعباد والاستبعاد إلا بالعمل بتوجيهات الإسلام في رعي أحكام الحلال والحرام في التعامل بين الأنام تجميعا للثروة، وتوزيعا لها، تحقيقا لكرامة عباد الله تعالى.
وفي نطاق العدل والقضاء وسن القوانين لا يتم إصلاح حقيقي من غير الارتكاز على ما في الإسلام من الموازين التي جعلها العلي الحكيم هدى وبصائر للمؤمنين والحائرين.
ألا إن الأمة محتاجة إلى منهج الله جل وعلا في شؤونها الاجتماعية والعمل به في أعمالها اليومية، الجزئية والكلية، الخاصة والعامة، وإسكانه في القلوب قبل البيوت، وإحلاله في البيوت علما وتعليما وعملا قبل الدعوة إلى العمل به خارجها.
وأخيرا تحتاج الأمة إلى منهاج الله تعالى في المجال الفكري؛ ذلك المجال الذي إذا أعد له رجاله صلح مجاله: فمن باب الفكر والعلم يلج الإسلام قويا إلى العقول والنفوس تعضده قوة الحجة والإقناع، ومن باب الأدب وفنونه يتسلل نور الإسلام إلى الوجدان في ثوب الجمال والإمتاع، ومن بوابة التعليم تشرب النفوس نقاء وطهرا وتقابل نعم ربها حمدا وشكرا، وتفيض على الغير برا وخيرا، وعبر مدخل العلم الشرعي وتعليمه تنجب الأمة علماءها الحكماء ويكثر في بنيها الأخيار والصلحاء {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ ۖ قُلْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَرِيبًا (الإسراء: 51).