الفوائد التراثية في معرفة الموائد العلمية


قصدت من هذا المقال تنبيه القارئ بأهمية البحث والكشف عن الكتب التراثية الغامرة بالمنهج التراثي في البحث العلمي، كما أهدف منه أيضا إثارة فضول القارئ لمعاودة تثبيت معلوماته عن المصادر التي يعتمد عليها في معرفة الفهارس الحاوية لكتب التراث ولمناهج تأليفه.
يقصد بالفهرست هنا الكتب التي جمعت ورصدت مجموعة من الكتب الأصلية التي يعتمد عليها في جميع الفنون العربية المتضمنة للمعالم العلمية الخاصة، ككتاب “الفهرست” لابن النديم، وكتاب “كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون” لحاجي خليفة.
إن المهتم بقضايا تجديد المنهج البحثي في العلوم الشرعية لتجده مدمنا حد التخمة من مطالعة أمثال هذه الكتب، بحيث يرصد كل كلمة كلمة من هذه الكتب، قصد استخراج غرضه منها إما اقتطافا أو اقتباسا أو استدلالا أو نقدا وتقويما، فأنتجوا بذلك تراكما معرفيا رائدا، ولا يتسنى ذلك -أي هم وشغف القراءة واستخراج النصوص المهمة- لكل القراء، لاختلاف مستوى كل منهما من حيث الأهداف والأغراض والمقاصد، ولذلك تجد الفحول من أهل العلم الذين راودهم هَمُّ التأليف والتصنيف في مجال خاص من العلوم الشرعية يُدِيم النظر والتمعن في كتب المناهج مرات متعددة حتى يتصور له المعنى وصحة المبنى، بل ويستحضر الدليل مع الكتاب الفلاني في الجزء الثاني من الصفحة كذا…
من أمثال من تبحروا وتخصصوا في التجديد المنهجي عند المسلمين والكشف عن أصله من خلال كتب التراث الإسلامي المرحوم علي سامي النشار في كتابه الفريد: “مناهج البحث عند مفكري الإسلام”، الذي أبدع فيه من حيث استخلاص مناهج البحث عند مفكري الإسلام خالية من الفكر الغربي كما عالج مواقف العلماء المسلمين من المنطق اليوناني وما حذروا منه. وعلى منواله نسج الدكتور أحمد بدر كتابه العلمي “أصول البحث العلمي ومناهجه” غير أنه في هذا الكتاب تحدث عن مناهج البحث بشكل عام، وضم إليه الصبغة الغربية نظرا لتأثره بالنزعة الغربية التي درس بها، ومما تفرد به التفصيل المدلل لمناهج البحث العلمي وعلى رأسها المنهج الإحصائي، ثم الطبيعي، كما نجد الأستاذة المرحومة بنت الشاطئ عائشة أم عبد الرحمان خاضت غمار هذا البحر من خلال كتابها “مقدمة في المنهج”، فكانت بذلك امرأة جادة من حيث التأليف والتدريس في المنهج والمنهجية ، وسيرتها العلمية تغني عن كثرة الكلام.
وهناك مجهودات مشكورة قام بها أساتذة باحثون درجوا من خلالها إلى جرد أهم الكتب التراثية في علم من علوم الشريعة من مختلف الأبواب يبغتون منها تسهيل طريق البحث العلمي عن العلماء والمتخصصين والطلاب الباحثين، كصنيع ترحيب بن ربيعان الدوسري في كتابه “معجم المؤلفات الأصولية الشافعية المبثوثة في كشف الظنون وإيضاح المكنون وهدية العارفين”، وعبد اللطيف بن محمد بن مصطفى الملقب بلطفي، الحنفي (المتوفى: 1078هـ) في كتابه “أسماء الكتب المتممة لكشف الظنون”. من تحقيق الدكتور محمد التونجي، بحيث جاء بعمل ييسر على الباحثين سهولة الولوج إلى معرفة الكتب التراثية، وأهم ما تتحدث عنه، من خلال البناء على فعل حاجي خليفة في كتابه “كشف الظنون” ومن هذا المقال أدعو القارئ الفاضل إلى قراءة مقدمة كشف الظنون فإن الحاج خليفة دقق فيها علميا من خلال الإتيان بتعريف العلوم الشرعية كل على حدة، وأتى بغرائب منهجية منها ما يتعلق بترتيب العلوم باستنادها إلى ما استقراه من علماء موسوعيين في ذلك.
فهذه كتب معاصرة تراثية مدللة للباحث المهتم، صاحب الهمم البالية، على أن يبدع في قراءتها والدعوة إلى قراءتها، والاستفادة منها في انتظار أن يرفع الله به يوما غمة عن هذة الأمة.
فهذه المواد العلمية تضفي للبحث العلمي قيمة مضافة، باعتبارها من الكتب الأولى التي تحدثت عن مناهج الإسلام، خصوصا وأنها جردت هذه المناهج من خلال ما عرف عند المسلمين، وقد يكون من الغريب في بعض هذه الكتب أن من مؤلفيها أجانب تكلفوا في خدمتها والاشتغال بها وعليها وتحقيقها وتهذيبها، خاصة في كشف وسبر المناهج الإسلامية، مع سرد أهم المؤلفات التراثية التي اهتمت بالمنهج والمنهجية. وقد أخرجت المكتبات العالمية فهارس وصفية تُعَرّف بهذا التراث، كما ظهرت مؤلفات جامعة تشير إلى أماكن وجود هذا التراث في مكتبات ومتاحف العالم أهمها كتاب “تاريخ الأدب العربى” للمستشرق الألمانى كارل بروكلمان Carl Brockelman، وكتاب “تاريخ التراث العربى” للعالم المسلم التركى فؤاد سزجين Fauad Sezgin، والكتابان كتبا في الأصل باللغة الألمانية، وظهرت لهما مؤخراً ترجمة عربية.
ومن أجود الكتب في ذلك كتاب: “مناهج البحث عند علماء الإسلام” لمجموعة من المفكرين المستشرقين، فقد ركزوا على توظيف لمناهج المسلمين، خصوصا مناهج المحدثين، باعتبار أن المحدثين هم أول من وضع البناء المرصوص للمنهج، إذ القواعد التي وضعوها في منهجهم الحديثي تنم عن الدقة في العلم والمعرفة، بخلاف ما يروج الآن في أن المنهج حديث النشأة مع الفكر الغربي، ومن تتبع كتب المحدثين ابتداء من القرن الثاني الهجري واستقراها سيلحظ أن المنهج الحديثي كان دقيقا في أهدافه، لأن واضعوه كانوا هم أيضا دقيقي الأهداف، ورؤيتهم كانت واضحة في ضبط علم الحديث مصطلحا وفقها، غير أن منهج كل محدث يختلف عن الآخر، فمنهج مسلم ليس هو منهج البخاري، ومنهج أصحاب السنن ليس نفس المنهج الذي اعتمده أصحاب الصحاح وهكذا دواليك، وبهذا التنوع في الكتب أفرز مادة متنوعة في المنهج وأساليب فريدة في الاشتغال على العلم وتحصيله، ولعل الكتب التي تحدثنا عنها سالفا ستدلنا بوضوح عن وظيفة الاعتناء بها قراءة واستقراء واستنباطا، من خلال قراءتها وفهمها فهما محكما، وتحليلها تحليلا منطقيا وتقويمها نقدا وتصحيحا، وإعادة تركيبها تركيبا جميلا يبعدها عن الشوائب، واللبس الغامض، أو الزلل الهامش، أو التحريف الكاشف، و مما أدلك عليه أخي القارئ أهم مدونات المصادر الإسلامية التي اهتمت بالتراث الإسلامي، والتي أسهمت في وضع بلورة واضحة تعين الباحثين على ضبط مجالهم العلمي:
أولا: في ما ألف في علم الببليوجرافيا
1 – مفاتيح العلوم للخوارزمي (ت 387هـ).
2 – الفهرست لابن النديم (ت 438هـ).
3 – حدائق النور في حدائق الأسرار لفخر الدين الرازي ت 606هـ.
4 – درة التاج لعرة الديباج، لقطب الدين الشيرازي ت 710هـ.
5 – مفاتيح السعادة ومصباح السيادة لطاش كبرى زادة ت 968هـ.
6 – كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة ت 1067هـ.
7 – إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون، للبغدادي ت 1339هـ.
ثانيا: في مصادر اعتمدت العلوم كقاعدة للتصنيف:
1 – إحصاء العلوم لمحمد بن محمد الفارابي ت 339هـ.
2 – الفهرست لمحمد بن إسحاق النديم ت 483هـ.
3 – مفتاح السعادة لأحمد بن مصطفى طاش كبرى زادة ت 986هـ.
4 – تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان ت 1375هـ.
5 – تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين حفظه الله.
ثالثا: مصادر اعتمدت أسماء المؤلفين قاعدة للتصنيف:
- هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي ت 1339هـ.
- معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ت 1408هـ.
رابعا: في مصادر اعتمدت أسماء الكتب قاعدة في التصنيف:
- كشف الظنون لحاجي خليفة ت 1067هـ.
- إيضاح المكنون لإسماعيل باشا البغدادي ت 1339هـ.
خامسا: المصادر العامة في الترجمة للأعلام:
- سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد الذهبي ت 748هـ.
- الأعلام لخير الدين بن محمود الزركلي ت 1396هـ.
وللتوسع أكثر أدعوك أيها القاري الفاضل إلى الرجوع لكتاب: المكتبة الإسلامية لعماد علي جمعة فإنه أجاد وأفاد في الموضوع مع الدقة في الوصف والإتقان في المقصود والله أسأل أن ينفعني وإياكم للعلم والعمل به.
- ومن أحسن ما قاله في كتابه الماتع: “بلغت العربيةُ بفضل القرآن من الاتساع مدىً لا تكاد تعرفُه أيُّ لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن العربيةَ وحدها اللسانُ الذي أُحِلّ لهم أن يستعملوه في صلاتهم…”
- موسوعة المفاهيم الإسلامية ص127.

عبد الرحمان بنويس

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>