رغم أن الدستور المغربي ينص في فصله الخامس على أنه «تظل العربية اللغة الرسمية للدولة، وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها، وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء». فقد أقدمت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني على إصدار مذكرتين في شأن لغة تدريس الرياضيات والعلوم الفيزيائية بالثانوي التأهيلي بالشعب العلمية (العلوم الاقتصادية والتدبير بالجذع المشترك التكنولوجي وشعب ومسالك التقني صناعي بتاريخ 19/10/2015، وعللت الوزارة قرارها بأنه جاء “تصحيحا للاختلالات التي تعرفها المنظومة التعليمية، وخصوصا منها تلك المتعلقة بتكامل المواد التعليمية في السلك الثانوي التأهيلي، فقد تقرر ابتداء من العودة المدرسية المقبلة 2016/2017 تدريس مادتي الرياضيات والعلوم الفزيائية، باللغة الفرنسية، بشعبتي العلوم والتكنولوجيات الميكانيكية والعلوم والتكنولوجيات الكهربائية”. وأهابت المذكرتان بمديري ومديرات الأكاديميات ب“تعميم هذه الإجراءات على كل مؤسساتها الثانوية التأهيلية العمومية والخصوصية الحاضنة للشعب”، ونصت الوزارة في المذكرتين على أنه “يمكن بدء تدريس هذه المواد باللغة الفرنسية ابتداء من الموسم الدراسي الحالي 2015/2016، إذا توفرت لديها الشروط الضرورية لذلك”
ويذكر أن قرار وزير التربية الوطنية هذا جاء مناقضا للمسار الذي انتهجه المغرب منذ الاستقلال حيث اعتمد سياسة تعريب التعليم منذ عام 1977، لكن هذه السياسة ظلت متعثرة، وبقيت المواد العلمية والتكنولوجية والرياضيات تدرس باللغة الفرنسية في التعليم الثانوي بالبلاد، إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث تقرر تعريب جميع المواد حتى نهاية البكالوريا، مع استمرار تدريس العلوم والاقتصاد والطب والهندسة باللغة الفرنسية في جميع جامعات المغرب إلى اليوم.
وقد اعتبر كثير من المهتمين بالشأن التعليمي واللغوي أن هذا القرار هو انتصار للفرونكوفونية التي ستستهدف فرنسة البلاد وطمس الهوية المغربية والقضاء على العربية. ويمكن القول إن الموضوع شغل حيزا كبيرا من النقاشات في الصحافة المغربية المكتوبة والإلكترونية
الائتلاف الوطني لحماية اللغة العربية : القرار فرنسة التعليم والقضاء المبرم على مسار التعريب المؤسس للدولة الوطنية
في نسخة من البيان الذي أصدره “الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية” الذي يضم 110 جمعيات ومنظمات مغربية تعنى باللغة العربية، توصلت جريدة المحجة بنسخة منه قال الدكتور فؤاد أبو علي منسق الائتلاف إن سياسة وزير التربية الوطنية بخصوص تعميم الفرنسية في التعليم، تعني “الانقلاب التام والمكتمل على هوية الوطن”، متهما الوزير بـ“مسابقة الزمن” من أجل ما وصفها بـ“فرنسة التعليم والقضاء المبرم على مسار التعريب المؤسس للدولة الوطنية”.
وبخصوص المبرّرات التي ساقتها الوزارة لتحقيق التكامل، قال بوعلي إن هذا مردود عليه لأن المذكرة لا تستند إلى رؤية علمية للغة التدريس، «ونعلمُ أن دول العالم المتحضر تدرس بلغاتها الوطنية، وعملية التعريب في المغرب لم تُستكمل».
وزاد بوعلي أن «الأمر يتعلق بهروب نحو الأمام، وهذا الوزير لا يعترف بالحكومة، ولا بغيرها من المؤسسات الدستورية، بل له أجندته المُملاة عليه، والتي جاء لتنفيذها».
«قرار الوزير يتعارض مع توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي أكّد أن العربية هي لغة التدريس الأساس
في حديث لها مع قناة الجزيرة قالت آمنة ماء العينين عضوة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي: إن المذكرة تلامس واحدة من أعقد الإشكاليات، وهي لغة التدريس.
وأضافت أن «البعض يدّعي فشل العربية في أن تكون لغة لتدريس العلوم، لكن الجميع يعلم أن عشرين دولة مصنفة في المرتبة الأولى من حيث جودة تدريس العلوم كلها تدرسها بلغاتها الوطنية». وضمن السياق ذاته، قالت ماء العينين إن المذكرة تنم عن ارتباك وفشل في التخطيط، لأن المشكلة لا تتعلق بتعريب العلوم، وإنما بغياب الإرادة في إنجاح التعريب، «والدليل على أن الإشكال لا يكمن في العربية هو تفوق الطلاب المغاربة في أولمبياد الرياضيات على المستوى العالمي».
مؤكدة أن «قرار الوزير يتعارض مع توصيات المجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي أكّد أن العربية هي لغة التدريس الأساس مع إمكانية الانفتاح على الفرنسية والإنجليزية لتدريس بعض المجزوءات والمضامين».
«فرنسة» تعليم العلوم بالمغرب «استعمارا ثقافيا» :
من جهة أخرى اعتبر أحمد ويحمان، الناشط ورئيس رابطة «أمازيغيين من أجل فلسطين»، «فرنسة» تعليم العلوم بالمغرب «استعمارا ثقافيا»، وتعزيزا للفرانكوفونية في البلاد، مضيفا في تصريحات للأناضول، أن قرار وزارة التربية الوطنية «يدخل ضمن مخطط العمل التخريبي المبرمج والمخطط له، والذي يعملون عليه خطوة خطوة، ويحضرونه للمغرب وللأقطار المغاربية الأخرى»، دون أن يشير إلى المقصود بكلامه.
وعبّر رئيس الرابطة الأهلية التي تعنى بـ»مناهضة التطبيع بكل أنواعه مع الكيان الصهيوني»، عن اعتقاده أن «هذا المخطط لا يختلف في شيء عن ما دبر للمشرق العربي، فكما خربوا العراق وليبيا وسوريا عسكريا، جاء الدور على المغرب العربي بأشكال أخرى».
ورأى ويحمان، أن القرار «استهداف للعروبة كواحد من الركائز الثلاثة الموحدة للمغرب، وهي الإسلام والعروبة والنظام السياسي»، مشيرا إلى أن «هناك أطراف معروفة بجهلها للعربية، بل وعدائها لها، تسعى إلى فصل أبناء المغرب عن لغتهم وتاريخهم الحضاري والعلمي، ليصبحوا لقمة سائغة للفرانكوفونية والاستعمار الثقافي، وذلك عبر اللعب على وتر تدريس اللهجة المغربية والتعليم بالفرنسية».
فرنسة التعليم «خطأ كبير « و»انقلاب على المقتضيات الدستورية»
رئيس جمعية حماية اللغة العربية بالمغرب، الدكتور موسى الشامي قال إن قرار وزير التربية الوطنية رشيد بلمختار «خطأ كبير».
وأضاف: «حين فكر الوزير في تدريس الرياضيات والفيزياء باللغة الفرنسية كان يفكر ربما في تكافؤ الفرض بين التلاميذ المغاربة، متناسيا أن التكافؤ لا يكون بهذه الطريقة؛ وكأن التلاميذ المتابعين لدراستهم بالمدارس المغربية العمومية جزء من البعثة الفرنسية»، مشيرا إلى أن «أكبر حيف يعانيه التلاميذ هو عدم توحيد المدرسة المغربية».
وأشار إلى أن المذكرة «انقلاب على المقتضيات الدستورية» و»خروج عنها وانتقاص منها، ذلك أن الوثيقة تنص على لغتين رسميتين في البلاد، هما العربية والأمازيغية»
المذكرة الداعية إلى فرنسة التعليم تخالف الدستور و التوصيات الصادرة عن مجموعة من الندوات منذ الاستقلال
انتقد النقيب عبد الرحمان بنعمرو مذكرة وزارة التربية الوطنية الداعية إلى فرنسة التعليم ، واعتبر الحقوقي المغربي، في تصريح لليوم24 أن المذكرة الداعية إلى فرنسة التعليم تخالف الدستور و التوصيات الصادرة عن مجموعة من الندوات منذ الاستقلال ، معبرا عن استغرابه من سكوت البرلمان و الحكومة و الأحزاب المغربية اتجاه هذه الفلتات التي تضرب في العمق قيمة اللغة العربية التي لا يمكن الرفع من قيمتها إلا باستعمالها، و تابع بنعمرو قائلا إن الدعوة إلى فرنسة التعليم مخطط وراءه ما أسماهم “مسامر” فرنسا في المغرب، متهما إياهم بالسعي إلى تخريب اللغة العربية لأن تعريب الإدارة و المدرسة لا يخدم مصالح الفرنكوفونيين المغاربة مع فرنسا.
من جهة اخرى، عبر النقيب عبد الرحمان بنعمرو، عن إستعداده لتبني الملف أمام القضاء، خصوصا بعد تهديد الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية باللجوء إلى القضاء للطعن في مذكرة بلمختار.
المذكرة اعتراف واضح من الدولة بوجود اختلالات بمنظومة التربية والتكوين :
ومن جهته اعتبر أحمد المصمودي نائب رئيس الفيدرالية الوطنية المغربية لجمعيات آباء وأمهات التلاميذ إن هذه المذكرة اعتراف واضح من الدولة بوجود اختلالات بمنظومة التربية والتكوين، وأضاف المصمودي في تصريح لجريدة «العلم» ( 10/11/ 2015) أن رسالة الوزير إلى مديرات ومديري الأكاديميات الجهوية توضح الإملاءات التي تفرض على الوزارة من أجل تدبير قضية لغة التدريس.
وتساءل إن كانت الوزارة لم تستطع توفير الموارد البشرية وسد الخصاص في بعض المواد، فكيف لها أن تحول العديد من المواد من اللغة العربية إلى الفرنسية، وقال إن هناك ضغطا من فوق على رشيد بلمختار وزير التربية الوطنية لتحويل هذه المواد إلى اللغة الفرنسية.
وأشار إلى اختلال آخر وهو أن مؤسسات عمومية تدرس الألمانية والإيطالية والإسبانية والإنجليزية في نفس المؤسسة، واعتبر الدعوة إلى تدريس مواد بالفرنسية ليس اختيارا بل هو عملية مفروضة على المغرب من أطراف وازنة على المستوى الدولي
وأوضح أن توحيد لغة تدريس المواد تلعب دورا أساسيا خاصة بعد الانتقال إلى الجامعة والمعاهد العليا.