ذكر وخاطرة – نصيحة الـمحب لحبيبه(3)


عن معاذ بن جبل ] أن رسول الله [ أخذ بيده وقال: «يا معاذ، والله إني لأحبك، والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول “اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك”»(1).
يتوجه المسلم بهذا الدعاء إلى ربه راجيا منه العون في الذكر والشكر وحسن العبادة، وذلك تمام الافتقار والتذلل لله تعالى؛ بحيث إنه ينفي عن نفسه الامتنان على الله بإقراره الصريح بأن ذكره لله جل وعلا وشكره لنعمه وإحسانه في تعبده إنما هو بعون الله الكريم وتوفيقه وبفضل منه، لا بحول العبد وقوته؛ فأنت عندما ترجو ربك وتسأله العون من أجل القيام بما هو واجب عليك تجاهه تعالى تكون في حالة من الافتقار التام إليه سبحانه. والافتقار هو طابع العبودية وجوهرها، وكل عبد مفتقر إلى ربه سواء أقر بذلك أم لم يقر، قال تعالى:{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} (فاطر: 15).
ومن الأمور التي نستفيدها من هذا الدعاء ما يلي:
- أن المحتاج إلى ذكر الله تعالى والمنتفع به هو العبد لا الرب تبارك وتعالى، قال جل شأنه:{ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28)، فثمرة الذكر من اطمئنان وسكينة وثواب راجعة على العبد؛ لذلك كان محتاجا إلى عون الله وتوفيقه.
- أن الله عز وجل ليس في حاجة إلى أن نشكر نعمه علينا؛ فهو سبحانه الغني المتعال، وله خزائن السماوات والأرض يمد هؤلاء وهؤلاء من عطائه؛ الشاكرين وغير الشاكرين، قال تعالى:{كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا}(الإسراء: 20)، وما عنده من أرزاق لا ينفد، قال جل ذكره في الحديث القدسي: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر»(2)، أي أن ذلك لا ينقص من خزائنه شيئا! فالمستفيد الوحيد من الشكر والحمد هو العبد الشاكر، قال تبارك وتعالى: {ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم} (النمل: 40)، وقال جل شأنه: {ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون} (الروم: 44).
- تقديم ذكر الخاص وهو الذكر والشكر على ذكر العام وهو العبادة يدل على منزلة هاتين العبادتين ورفعة شأنهما وعظم أجرهما.
- الإحسان في الذكر والشكر مطلوب كما هو مطلوب ومرغوب في سائر العبادات، وذلك مفهوم قوله “وحسن عبادتك”؛ فبما أن العبادة تشمل الذكر والشكر فإن طلب الإحسان يشملهما كذلك.
- أن في طلب العبد من ربه أن يعينه على الإحسان في العبادة والإتيان بها على الوجه المرتضى دليلا على الاعتراف بالتقصير والتفريط، ويستدل على ذلك أيضا بقول العبد بعد السلام “أستغفر الله”(3) ثلاث مرات، وكأنه يستغفر الله سبحانه ويطلب عفوه مما بدر عنه من التقصير وخوف ألا يقبل عمله وأن يرد عليه، وتلك هي صفة المخلصين المسارعين إلى الخيرات، قال تعالى: {والذين يوتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المؤمنون: 60).
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، واجعلنا من المخلصين، وتقبل منا يا كريم يا حليم.
عبد الرفيع أحنين
——————–
1 – صححه الشيخ محمد الألباني في صحيح أبي داوود، الحديث رقم: 1347.
2 – مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، رقم: 4680.
3 – مسند الإمام أحمد، رقم: 22408، وصححه الألباني في الكلم الطيب لابن تيمية، رقم: 107.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>