من أوراق شاهدة لا عــلاقــة.. لكـن إلى مـتى؟؟


وشهر رمضان الفضيل يواصل رجه للذين صدق فيهم قوله تعالى : {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} للعودة إلى كنوز كتاب الله عز وجل والغوص في محيط ثرواته، يستوقفنا قوله تعالى الذي أشبعه العلماء تمحيصا وتقليبا: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} وهي الآية التي تقرع في وجدان الدعاة إلى الله تعالى كلما اتقدت نار الفتن، في اتجاه تصويب رؤية البوصلة لتكون على طريق رسول الله [، طريق الرحمة واللين حتى وإن تعلق الأمر بالطغاة ونظرائهم الذين قال فيهم الحق سبحانه {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}. ولن يكون هذا الشهر بحق شهر القرآن إلا إذا تجاوزنا عبادة الحفظ والختم (الضرورية بلا شك) إلى عبادة التنقيب في منهاج النصرة.
ومناسبة تساؤلي هذا الذي ما فتئ يلاحقني هو لقاء جمعني بثلة فاضلة من النساء يعملن في القضاء ومن بينهن حقوقية يسارية. وكان الحديث ذا شجون يشيب لها الوليد وقد استرسلن في ذكر مآسي سجناء ضمنهم أطفال يمضون زهرة نقائهم وراء القضبان، أطفال وشباب لا تشوب سيرتهم شائبة الإصرار على الانحراف بل احتنكهم الشيطان بتقصير من الكبار في لحظات غضب وشقاوة طفولية فاقترفوا جرائم قتل مروعة.. ما شدني حتى لا أقول أذهلني في قصص ضيفاتي الحقوقيات هو تلك النبرة من الصدق والأسى التي تغلف حكيهن وجهودهن العملاقة لحماية هذه الشريحة المغبونة من أبنائنا لضمان الرعاية النفسية لهم، بل وقطع المسافات الجغرافية في غمرة انشغالاتهن الحقوقية لزيارتهم في بيوت أهاليهم عند بذلهن كل الجهد لإطلاق سراحهم وذلك للسؤال عن معيشتهم وتوصية البقال بزادهم بعد أداء ثمن أغراضهم . شيء لا يحيط به أي وصف في الإكرام والإنسانية.. بل وحكت إحداهن أن أولئك الأطفال إذ يقترفون جرائمهم كانوا ينغمسون في صمت عميق.. صمت أسى وندم بلا شك وحين كان المسئولون المكلفون بالاستنطاق يعزلونهم وينخرطون في س وج بشكل صارم للحصول على اعترافات مفصلة منهم، كانوا لا يستجيبون قطعا، وكانت هذه السيدة الحقوقية الرفيعة الدرجة في سلك القضاء، حين تتولى المهمة تمدد الجلسات إلى أسبوعين قد لا تكلمهم فيها إلا عن أحوالهم وهواياتهم وحاجياتهم ونبض وجدانهم فتتقمص دور «الرجاوية» نسبة إلى فريق الرجاء البيضاوي، وتشاكسهم فتقول لهم مثلا (اعطيناكم قتلة فالماتش ديال الروتور أي مقابلة العودة) وذلك لتحريض رغباتهم المهيضة بفعل صدمة الجريمة، وتظل مرابطة في خانة المناوشة والتفكه والترويح عن نفوسهم الكئيبة، حتى يستأنسوا بصدقها وإنسانيتها فتندلق ألسنتهم ويفصحون عن التصدعات والشروخ التي أحدثها الكبار بداخلهم وأدت بهم إلى تلك الحالة من الضياع المفضي إلى الغليان الباهظ التبعات..
كانت تلك السيدة وهي تتحدث عن وضعيات مأساوية وتسوق أطروحاتها البالغة الإنسانية والرحمة في دعم فلذات أكبادنا واستنقاذهم من مصائد الشيطان مستشهدة بكتاب الله عز وجل وإيمانها العميق بأن لا خلاص من هذه الانحرافات التي تكلف الوطن أرواحا وممتلكات إلا بالعودة إلى كتاب الله وسنة رسوله [، وتمثل رحمته وشفقته في إرساء معالمها المشهودة قبل المسطورة، تستنفر الدموع بداخلي.. كم ضيعنا من وقت الأمة في سجالات ومشاحنات إيديولوجية تسرعت فيها القلوب بمدرجات الجامعة وما بعد الجامعة فصنفت الناس بين صالحين وطالحين، في قصـور تام عن فقه الرحمة واللين وما أثمره من دخول الناس أفواجا إلى دين الله سبحانه.
وبعيدا عن هذا اللقاء البليغ المشحون بالعبر والدروس ومحرضات العودة إلى الذات، وعدم تزكية النفس، جرى ماء كثير تحت الجسر كما يقال، وحين تحملك قدماك إلى الشارع العام وتتأمل في سحنات بناتنا وأبنائنا، تدرك إلى أي حد ضيعناهم في غمرة الانشغال بقضايا حسبناها أولويات وأثناء ذلك طوحت بهم رياح التغيير إلى مجاهيل استلاب مروع لحضارة الآخر الشقي بثمار ما بعد الحداثة.. ويطالعك سور الجفاء بين الآباء والأبناء، والأسمك من سور الصين. لا علاقة.. كما نقول في اللهجة المغربية.. لا علاقة بين سحنات ومظهر الآباء وسحنات شباب اختلطت ملابسهم وسحناتهم وحتى طريقة كلامهم بين ذكور تأنثوا وإناث استرجلن بشكل مريع.. وهم في الأول والأخير يعلنونها في وجهك بوضوح تام قطيعة لا سبيل لرأبها، قطيعة منذرة بكل التطرفات وهم يضعون سماعات موسيقى عالمهم الغربي المشتهى في وجه مواعظك باعتبار الآخر الفردوس وأنت الجحيم.
ولأن الله سبحانه جعل القرآن تبيانا لكل شيء، وكما جاء على لسان محدثتي الصادقة فالحل لاستعادة أبنائنا يكمن بلا شك في كتابه العزيز: الحبل المتين، فهل ترانا سنظل عند العتبة نغضب لتشظيات ممارسات أناس لا يعلمون ويحتاجون لسماحتنا وليننا؟ أم على كل الذين يشتغلون في مجال الإصلاح أن يفكروا بالقلب والروح وأن يضعوا خلافاتهم جانبا لابتكار أساليب جديدة لمخاطبة الشباب؟.
إن ما وقع من تفجيرات إرهابية بتونس والكويت وفرنسا في هذه الأيام المباركة، ثم تهديد الخوارج الجدد أمن المغرب ليجعلنا نستعجل ورش المصالحة مع الله جل وعلا ومع كل العاملين في مجال الإصلاح ومن كل المشارب الوطنية .
وصدق المغاربة حين قالوا «الحمية تغلب السبع».

ذة. فوزية حجبـي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>