مـن خصـائـص عيـد الفطـر فـي الإسـلام


ذ. عبد الرفيع حجاري

صور-تهنئة-بعيد-الفطر
لعيد الفطر في الإسلام أحكام عديدة لو تأملناها فإننا سنجدها جامعة بين رغبات الروح ومطالب الجسد، ساعية إلى تحقيق التوازن والاعتدال بينها، ومن تلك الأحكام ما يلي:
إخراج زكاة الفطر قبل الصلاة:
زكاة الفطر أو زكاة الأبدان، هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، تدفع قبل صلاة عيد الفطر، وهى واجبة على كل مسلم، قادر عليها، وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها. وتمتاز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال. بمعنى أنها فرضت لتطهير نفوس الصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال مثلا.
ويؤكد هذا الأمر حديثان:
أولهما: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله [ زكاة الفطر طهرة للصيام من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»(1).
وثانيهما: حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله [ زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»(2).
أكل تمرات قبل الخروج للصلاة:
ثبت في صحيح البخاري، عن أنس، قال: «كان رسول الله [ لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وترا»(3).
التزين والاغتسال يوم العيد:
مما يدل على مشروعية التزين حديث عبد الله بن عمر، قال: أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق، فأتى بها رسول الله [، فقال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود، فقال له رسول الله [ : «إنما هذه لباس من لا خلاق له»(4). قال ابن رجب رحمه الله: «دل الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتاداً بينهم»(5). وقال الشوكاني: «ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية التجمل للعيد تقريره [ لعمر على أصل التجمل للعيد، وقصر الإنكار على من لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا»(6).
ومما يدل على فضل الاغتسال يوم العيد مع التطيب والتجمل والتزين فعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقد روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى(7).
وبالجملة فإنه يستحب أن يغتسل للعيد، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر، ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ما يجد. قال مالك: أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.
صلاة العيد:
والصحيح من أقوال أهل العلم أنها سنة مؤكدة، وقال بعضهم إنها واجبة لأن الجمعة تسقط بها إذا كانت في يومها. وقد ثبت في الصحيحين عن أم عطية، قالت: أمرنا رسول الله [ أن نخرجهن في الفطر والأضحى؛ العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: «لتلبسها أختها من جلبابها»(8). والسنة أن تكون صلاة العيد بالمصلى وليس في المسجد، والخطبة فيها بعد الصلاة، وليس لها أذان ولا إقامة، وليس لها من سنة قبلية ولا بعدية، ومن جاء إلى المصلى جلس بلا صلاة.
الذهاب من طريق والعودة من طريق أخرى:
ففي الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: «كان النبي [ إذا كان يوم عيد خالف الطريق»(9). ولعل العلة أنه فعله [ لتعم الناس بركته من كل جهة ويراه الناس في الطريق الذي رجع فيه من لم يره في الأخرى(10). وقد ذكر أهل العلم جملة من المقاصد التي توخاها النبي [ من فعله هذا، أجملها ابن الجوزي في قوله: «هذا يحتمل عشرة أوجه: أحدها: أنه قد روي أن الملائكة تقف يوم العيد على أفواه الطرق، فكأنه أراد أن يمر على من لم يمر عليه منهم. والثاني: أن يكون أراد بجوازه في مكان لم يجز فيه إظهار الدين، لأنه أداء يري ذكر الدين. والثالث: أن يغيظ المنافقين والكفار بمشيه مع أصحابه. والرابع: أن يكون ذلك في بدو أمره عند قلة عدد المسلمين. والخامس: رؤية من لم يره من المسلمين وتسليم من لم يسلم عليه، لأن لقاءه أوفى البركات. والسادس: أن يسر بذلك من يراه من المسلمين والمسلمات. والسابع: أن تشهد الأرض بالمشي عليها في الخير. والثامن: أن يكون ذلك من سنن العيد، كالتكبير في زمان المضي إلى المصلى وفي أيام التشريق. والتاسع: لعلمه بحاجة الناس إلى مسألته ورؤيته. والعاشر: التفاؤل بإلقاء الذنوب في طريق المضي والرجوع متنظفا»(11).
إظهار الفرح والسرور بهذا اليوم:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله [ وذلك في يوم عيد؟ فقال رسول الله [ : «يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا»(12). قال ابن حجر رحمه الله: «عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره إذ لا يقر على باطل والأصل التنزه عن اللعب واللهو فيقتصر على ما ورد فيه النص وقتا وكيفية تقليلا لمخالفة الأصل والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى. وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعار الدين»(13). لكن الجائز من ذلك هو الاقتصار على المشروع من غير تجاوز للحد في ذلك.
التهنئة بالعيد:
وكانت تهنئة السلف لبعضهم في العيد: تقبل الله منا ومنكم. فعن أدهم مولى عمر بن عبد العزيز، قال: «كنا نقول لعمر بن عبد العزيز في العيدين، تقبل الله منا ومنك، يا أمير المؤمنين، فلا ينكر ذلك علينا»(14). وسئل أحمد عن قول الناس في العيدين: «تقبل الله منا ومنكم» قال: «لا بأس به»(15). ولعل تجويزهم لهذه التهنئة لأنها صادرة عن بعض الصحابة رضي الله عنهم؛ فعن حبيب بن عمر الأنصاري عن أبيه قال: لقيت واثلة بن الأسقع ] في يوم عيد، فقلت: «تقبل الله منا ومنك»، فقال: «تقبل الله منا ومنك»(16). وقال أبو الوليد الباجي: «سئل مالك: أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد: تقبل الله منا ومنك وغفر لنا ولك ويرد عليه أخوه مثل ذلك؟ قال: لا يكره»(17).
ولا بأس بغيرها من التهاني، ما لم يكن فيها إثم أو شرك أو عصبية…
صلة الأرحام وزيارة والأصدقاء:
وهذا لا يختص بيوم العيد، ولكنه مناسبة لفعل ذلك. ويحسن هنا ذكر حديثين يدلان على فضل هذين الأمرين:
أما الأول:
فعن عبد الله بن سلام، قال: لما قدم رسول الله [ المدينة انجفل الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله [، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله [ عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء تكلم به أن قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»(18).
وليس المقام هنا مقام بسط لفضائل صلة الرحم وفوائدها على الواصل في الدنيا والآخرة، ولكن القصد هو بيان أهميتها في يوم العيد.
وأما الأمر الثاني:
فقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة، عن النبي [: «أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى، فأرصد الله على مدرجته ملكا، فقال له: أين تذهب؟ قال: أزور أخا لي في الله في قرية كذا وكذا، قال: هل له عليك من نعمة تربها؟(19) قال: لا، ولكنني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك: أن الله قد أحبك كما أحببته فيه»(20).
قال ابن الجوزي: «وفي هذا الحديث فضل زيارة الإخوان، وهذا أمر بقي اسمه وذهب رسمه، فإن الإخوان في الله عز وجل أعز من الكبريت الأحمر»(21). وذلك راجع إلى التكلف والرياء والاهتمام بالمظاهر بدلا من الجواهر، وفي هذا يقول الأمير الصنعاني: «زيارة الإخوان في الله من جواهر عبادة الله، وفيها الزلفة الكريمة إلى الله مع ما فيها من ضروب الفوائد وصلاح القلب، لكن بشرطين أحدهما: أن لا يخرج إلى الإكثار والإفراط، والثاني أن يحفظ حق ذلك للتجنب عن الرياء والتزين وقول اللغو والغيبة ونحو ذلك»(22). وتخلف هذين الشرطين هو الذي أخرج آداب الزيارة وحسن العشرة عن مسارها الصحيح، والله المستعان.
هذه جملة من الأحكام التي ينبغي على كل مسلم أن يلتزم بها ليلة العيد ويومه، ودرجات حكمها الشرعي متفاوتة، فبعضها واجب وبعضها مؤكد وبعضها مستحب، ولكن لو تأملناها فإننا نلاحظ أنها تؤكد ما ذكرناه في أول هذه المقالة وهو تلبيتها لمطالب الروح والجسد التي يسعى الإسلام إلى تحقيق التوازن والاعتدال بينها، وتلك هي خاصية العيد في الإسلام وميزته الأساس التي تميزه عن غيره من الأعياد في معظم المذاهب والأديان.
وفي الختام أسأل الله أن يملأ أيامنا فرحا وسروراً، وأن يعيد علينا العيد أعواما عديدة وأزمنة مديدة، ونحن في حلل من الأمن والإيمان والسلامة والإسلام، وتقبل الله منا ومنكم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
———-
1 – رواه الحاكم في مستدركه وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. حديث رقم:1488.
2 – رواه البخاري في صحيحه حديث رقم:1503.
3 – رواه البخاري في كتاب العيدين، باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج، حديث رقم:953.
4 – رواه البخاري في كتاب العيدين، باب: في العيدين والتجمل فيه، حديث رقم:948.
5 – فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب 8/413.
6 – نيل الأوطار 3/338.
7 – رواه مالك في باب: الاغتسال يوم العيدين ص:48.
8 – رواه البخاري ومسلم، واللفظ هنا لمسلم، كتاب صلاة العيدين، باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة.. حديث رقم:12(890).
9 – رواه البخاري في كتاب العيدين، باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد، حديث رقم:986.
10 – التوضيح لشرح الجامع الصحيح 8/146.
11 – كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/58،59.
12 – رواه البخاري في كتاب العيدين، باب سنة العيدين لأهل الإسلام، حديث رقم:951.
13 – انظر فتح الباري 2/443.
14 – تحفة عيد الفطر لزاهر بن طاهر (المتوفى: 533هـ) ص:127.
15 – المرجع السابق ص:128.
16 – المرجع السابق ص:129.
17 – المنتقى شرح الموطإ 1/322.
18 – رواه الترمذي حديث رقم:2485، وقال: «هذا حديث صحيح».
19 – (تربّها) بفتح المثناة فراء مضمومة فموحدة مشددة أي تحفظها وتراعيها وتسعى في إصلاحها كما يربي الرجل ولده. (انظر التَّنويرُ شَرْحُ الجَامِع الصَّغِيرِ للأمير الصنعاني 6/311).
20 – رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب في فضل الحب في الله، حديث رقم:38(2567).
21 – كشف المشكل من حديث الصحيحين 3/577.
22 – التنوير شرح الجامع الصغير 6/311،312.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>