أهمية العطـل، وهـل يمكـن اعتبـارها أوقـات فـراغ؟


الفراغ

حاجة الإنسان للعطل بعد الجهد والعمل:
تجيء عطلة الصيف فتُقفِل مؤسسات التعليم ومدارس التكوين أبوابها، ويتوقف التلاميذ والطلاب عن الدراسة ليتمتعوا بشهور من الراحة يستعيدون فيها نشاطهم وحيويتهم في انتظار الدخول إلى موسم دراسي بهمة ونشاط ونفَس جديد وتوْق إلى نجاح بميزة حسنة ومعدل مرتفع.
وتُعد العطل من الحقوق الأساسية للطلاب والتلاميذ بعد شهور الدراسة والجد والسهر والمذاكرة والاجتهاد وبعد فترة الامتحانات المرهقة، فكيف ينبغي أن تُقضى أوقات الفراغ وأيام العطل عند التلاميذ والطلاب؟، وما هي الأعمال التي يُستحسن أن تُملأ بها أوقات فراغهم؟.
إن حاجة الإنسان إلى الراحة بعد الجِدِّ والعمل والجهد، وإلى الهدوء بعد الحركة لهُوَ من الأمور المسَلَّمَة التي لا يُنكرها عاقل، وإن الخبراء الذين سنُّوا ووضعوا العطل الأسبوعية والفصْلِية والسنوية نظروا إلى أثرها الإيجابي في تجديد نشاط الإنسان واستعادة الحيوية إلى الذهن والبدن، ليتجدد عطاؤه فيرجعَ إلى العمل بجد وعزم ونشاط، وهذا صحيح مجرب.
وعطلة الصيف هي وقت ثمين وفرصة مهمة وزمن نفيس يستغله التلاميذ للاستجمام والترويح عن النفس والتخفيف عن الجسد من تعب الدراسة ومشقة الجد والحفظ والمذاكرة خلال شهور الدراسة.
لكن العُطَل إذا طالت واتسع أمدها ولم تستغل بشكل عقلاني مبرمج انقلبت إيجابياتها إلى سلبيات كثيرة، وأضرار جمة، نتيجة الفراغ الذي لا يُستغل استغلالا حسنا، وذلك حينما تُهمَل الواجبات ولا تراعى الأولويات وتستغل كلها في اللهو والترفيه.
هل أيام العطل أوقات للفراغ؟
وإذا كنا نعيش في وقت لا بد فيه من العُطَل، وإذا كان المسلم مسؤولا عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وكان هدفُ المؤمنِ من الحياة هو السعادة الدنيوية والأخروية، فيتحتم عليه أن يُشغِل نفسه بكل عمل صالح مشروع يعود عليه بالنفع والبركة، وعليه أن يجعل من مواسم العطلة والفراغ مواسم بناء لا مواسم هدم، وأوقات طاعة لا أوقات معصية، وأزمان جمع لا أزمان تشتيت وتبديد.
فعطلة الصيف لها إيجابيات كثيرة يحْسُن بالتلميذ أن يستفيد منها ويحوزها، وفيها سلبيات يجدر به أن يتجنبها ويتوقاها، قال الحسن البصري رحمه الله:» أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم».
إن الفراغ لا يبقى فراغا أبدا، فلا بد أن يُملأ بخير أو بشر، والنفس الإنسانية لا تبقى فارغة أبدا فإما أن نُشغلها بالمنافع أو تُشغلنا بالمضار، والفراغ يُقوي قابلية الانحراف لدى الشباب ويُفَرِّغُ المعلومات من الذهن التي حُفظت من الكِتاب والكراس، ويقتل الفكر ويُثخن العقل ويفتح أبواب الوساوس، ويُحرك كوامن الشهوة والهواجس، قال الشاعر :
إن الشباب والفراغ والجِدة(1)
مفسدة للمرء أيَّ مفسدة
إن الإسلام يَعتبِر الوقت أغلى وأنفس ما في الوجود، بحُسن استغلاله يسعد السعداء، وبسوء تدبيره يشقى الأشقياء، وإن ديننا الحنيف بيَّن لنا أن المؤمن – بصفة عامة والتلميذ والشاب بصفة خاصة- لا ينبغي له أن يجلس عاطلا لا هو في شغل الدنيا ولا هو في شغل الآخرة، لأنه لم يُخلق لذلك، وإنما خُلق للعمل والجِد والعطاء والاجتهاد.
وأهل الطموح لا يعرفون في حياتهم عطلا وانقطاعا عن العمل، بل كل حياتهم جِدّ وعمل وعلم وحركة ونشاط، وحتى الترويح عندهم وسيلة لغاية يسعون إليها، فهم لا يمارسون اللهو واللعب والترويح لمعاناتهم من الفراغ أو لشعورهم بالسآمة والملل، بل هو عندهم ترويح عن النفس حتى تتهيأ للجد، وتكسب نشاطا أقوى وهمة أعلى وعزيمة أرقى، وساعات الفراغ عندهم لها برامج خاصة، يستفيدون منها فوائد ومصالح كثيرة على عدة مستويات.
إن الله عز وجل يسوق الأوقات فرصا للبشر لاغتنامها وهي أسواق تعقد ثم تُفَضُّ، يربح منها من يربح ويخسر فيها من يخسر، والمسلم سبّاق للخير ولا يدع لحظة من لحظات حياته تمر دون فائدة، لأنه يعلم أن الأصل في الوقت أن لا يمر فارغا، فهو إما أن يملأ بما هو نافع، أو يملأ بما هو ضار.
والحاذق الذكي لا تجد له وقت فراغ فهو يحسن استغلال أوقاته أحسن استغلال لأنه مسئول عنها، ولأن أسباب فلاحه ونجاحه في الدنيا والآخرة مرتبط بحسن تنظيمه لأوقاته واستغلاله لها.

ذ. أحمد المتوكل
———-
-1 الجدة: الغنى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>