تأثير الصيام على المصابين بالسكري(*)


بطاقة تعريف
الدكتور محمد الحسن الغربي من مواليد 16 صفر الخير 1383 موافق 9 يوليوز 1963بالبيضاء
• متزوج وأب لأربعة أطفال
• اختصاصي في أمراض الغدد والتغذية وداء السكري
• أستاذ بكلية الطب والصيدلة بالرباط وفاس
• خطيب مسجد النصر بالرباط
• عضو المجلس العلمي المحلي للرباط
• معد ومقدم برنامج «قبس من القرآن» بالفرنسية (إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم)
• معد ومقدم برنامج «Guidances du Coran» (القناة السادسة
• إسهامات وطنية ودولية دعوية وطبية.

سأتناول هذا الموضوع من خلال طرح ثلاثة أسئلة:
1 – لماذا يؤثر الصيام ولماذا الكلام عن هذا التأثير؟
2 – كيف يكون هذا التأثير؟
3 – متى يقع هذا التأثير؟
والجواب عن هذه الأسئلة بثلاث كلمات:
1 – لأن هناك تحول في النظام الغذائي والدوائي
2 – التأثير يكون سلبيا
3 – متى صام المريض
أولا في خصوصيات رمضان :
الكل يعلم أن هناك خصوصيات لشهر رمضان:
رمضان ينتقل عبر الفصول وبالتالي حينما نقوم بدراسة حول الصيام في المجال الطبي لابد أن نراعي هذه الخصوصية لأن الباحث إذا قام بدراسة على أثر الصيام في فصل الشتاء لا يمكن أن يأخذ نتائج هذه الدراسة ويطبقها على أثر الصيام على المريض الصائم أثناء فصل الصيف أو أثناء الخريف أو الربيع. وهذا يعني أننا حين نقوم بدراسة حول الصيام والصحة فالنتائج التي نستخلصها منها لا يمكن أن نطبقها إلا بعد دورة قمرية كاملة (أي حوالي 32 سنة) وبالتالي فالدراسات التي نقوم بها عن تأثير صيام رمضان على الصحة لا يمكن أن نستفيد منها
إن المريض الذي يصوم يعرض نفسه مدة شهر كامل لتغير حاد في نمط عيشه بتغيير أوقات وجباته والكميات المستهلكة وكذا بتغيير نشاطه العضلي ونشاطه العام بالإضافة إلى تغيير في العلاج يؤدي به إلى تكلف غير مرغوب فيه.
ثانيا ماذا عن السكري؟ :
السكري مرض مزمن يصيب أكثر من 300 مليون نسمة في العالم ولكن بعد ربع قرن سيصل هذا العدد إلى الضعف تقريبا وهو مرض خطير ذو عواقب وخيمة ويمثل إشكالية من إشكاليات الصحة العمومية وثقلا بشريا واقتصاديا متصاعدا، والدليل على ذلك هذه المعطيات:
خطر الإصابة بالقلب والشرايين عند مريض السكري مضاعف بالمقارنة مع غير المريض.
هو أول سبب لتصفية الدم بالكلية الاصطناعية.
خطر بتر الرجل يمكن أن يتضاعف عشر مرات.
هو أول سبب للإصابة بالعمى
يقتل نفسا بشرية كل ست (6) ثوان!!!
ثالثا- ماذا عن صيام المريض المصاب بداء السكري؟
السكري عبارة عن خلل في إفراز هرموني وأثناء الصوم يزداد هذا التفاعل اضطرابا. كيف ذلك؟ إننا حين نصوم ينخفض الغلوكوز في الدم وبسبب هذا ينخفض الأنسولين ولذلك فنحن أمام احتمالين مختلفتين:
الأول إما أن نصوم مدة مطولة
الثاني أن نصوم لمدة قصيرة
ففي الاحتمال الأول يحدث استعمال للأحماض الدهنية ومن ثم تتم أكسدتها فيتولد الكيتون.
أما في الاحتمال الثاني فيكون هناك إفراز لمادة الكلوكاكون المضادة للأنسولين وكذا الأدرينالين ثم ترتفع حيوية الكبد في صنع السكر ويترتب في الحالتين ارتفاع نسبة السكر في الدم ويأتي الدور على الحماض الكيتوني وهذه حالة مستعجلة ينبغي لمن يصاب بها أن يأتي للمستعجلات ليؤخذ مأخذ الجد فيسعف إسعافا.
والخلاصة من الاحتمالين معا أن هناك تأثيرا يقينيا على مستوى السكر حين يصوم الإنسان إما بالانخفاض أو بالارتفاع. أما الانخفاض فناتج عن الصوم مباشرة لامتناع المريض عن الأكل وهذا شيء طبيعي وثمة مكمن الخطر وتزداد الخطورة إذا تناول المريض علاجه المخفض للسكر عند السحور فينخفض السكر أكثر فأكثر لأن المريض لم يتناول شيئا وثمة مرة أخرى مكمن الخطر.
أما من ناحية الارتفاع فهو ناتج عما ذكرناه سابقا، ولكن أيضا في المساء عند الإفطار وما يدور خلاله في المائدة المغربية خاصة والعربية عامة من أكل مفرط وإسراف بين في الحلويات والدهنيات وهنا أيضا مكمن الخطر لأن مريض السكري ليست له القدرة الكافية لمواجهة هذه الحالة مما ينتج عنه تقهقر في صحته سيما إذا صام يوما بعد يوم علما بأن الارتفاع الحاد بطريقة متكررة أخطر وسيلة للتعجيل بظهور المضاعفات المزمنة التي نسميها كذلك المضاعفات التنكسية.
رابعا- ماذا عن التأثير السلبي الكبير على النظام الغذائي والدوائي؟ :
أ- النظام الغذائي هو العلاج الأول لداء السكري من فئة 2، وفي حالة الصوم لا يحافظ المريض على الوجبات الثلاث لأن الذي يصوم يأكل مرتين بالليل، اللهم إلا إذا كان سيأكل في منتصف الليل، فتصبح له ثلاث وجبات كما في سائر الأيام! ولكن هل من المعقول أن يأكل الإنسان في منتصف الليل حيث تكون إفرازاته الهرمونية في انخفاض تام وبعض منعدم الإفراز؟ اللهم لا فالأكل في منتصف الليل لتعويض الأكل في منتصف النهار لا يقبله العقل أبدا ولا يتوافق البتة مع النصائح الغذائية المعمول بها عالميا. أما المصاب بداء السكري من فئة 1 فيؤثر عليه الصيام أكثر من تأثيره على النوع الثاني فيقع هناك اختلال غير محمود بل خطير على جميع الأجهزة والوظائف.
ب- النظام الدوائي هو نفسه يتأثر بالصيام؛ فتتغير أوقات تناول الدواء ويتغير عدد الجرعات، وكذلك التلاعب من قبل الطبيب والمريض معا في الكميات المتناولة، فيترتب عن ذلك أمور خطيرة منها:
تناف تام مع ما هو معمول به فيحدث جراء ذلك خلل أيضيٌّ استقلابيٌّ لا تعلم عواقبه إلا حين تقع!!!
تدهور لوظائف أخرى وأشير بالذات إلى وظيفة القلب والشرايين فهناك تشنج يقع للشرايين وحدوث مضاعفات على كافة الأصعدة كما بينت، وكذلك ـ وهو ما نكاد ننساه ـ هو اضطرابات موازية في الضغط الشرياني. والداءان في الحقيقة متوازيان: فارتفاع الضغط الشرياني والسكر مثل الأخوين وينبغي أن ننتبه إلى هذا جيدا.
حدوث نقص حاد في الماء داخل الخلايا والأنسجة مما ينتج عنه اجتفاف وتأثير وخيم على الكليتين!! وهذا التأثير هو الذي يغفل عنه الكثير أثناء الصيام، فنحن نتكلم عن مشكلة انخفاض وارتفاع السكر، وننسى هذا الاجتفاف وهو وحده -بغض النظر عن أسباب أخرى- حري بأن يحول بين المريض وبين الصيام.
خامسا- أهمية الكلية وأهمية الحفاظ عليها :
الكِلية عضو شريف وثمين لا يجوز بحال من الأحوال التفريط فيه خاصة عند مريض السكري أو الإضرار به سواء من طرف المصاب أو من طرف الطبيب. وحينما نعرضه للصيام فإنما نعرضه لعدم الشرب فيبقى الإنسان لمدة أكثر من 14 ساعة وأحيانا لمدة 17 ساعة لا يشرب وخاصة في الصيف، فإذا لم يشرب فكليته لابد أن تتأثر من عدم الشرب وبالتالي فلا ينبغي له أن يصوم كيفما كان مرضه ومستوى تدهور هذا المرض. وأنا أتعجب من بعض الأطباء الذين يقولون هذا مصاب بمرض السكري طفيف ويجوز له الصيام، لا ينبغي أن يقال هذا الكلام، من قال إن داء السكري مرض غير خطير وقد قدمنا في البداية أنه مرض خطير وخطير والله تعالى يقول : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا اَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنَ أيَّامٍ اُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةُ طَعَامِ مَساكِينَ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمُ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة :182-183)، فمرضى السكري، لا محالة، من الذين يطيقونه ومن رد بالسلب في هذه المسألة سلمنا له في الصيام.
فهل مرض السكري مزمن أم لا؟ إذا قلتَ لا، قلتُ لك : صم.
ثانيا هل مرض السكري مرض خطير أم لا؟ إذا قلتَ لا قلنا لك: صم.
ولكن كيف لك أن تقول لا وهو أول أسباب القصور الكلوي عبر العالم وأول مزود للمصحات التي تعنى بتصفية الدم عبر الكلية الاصطناعية.
فكيف للإنسان يحقن الأنسولين أن يصوم؟! أو إنسان يتناول الدواء أن يصوم؟! أو إنسان مريض أن يصوم؟
وهنا نداء أريد أن أختم به: أيها المصاب بداء السكري حذار من الصيام فأنت مريض وتعرض نفسك للخطر دون شعور منك وتحسب أنك تحسن صنعا والطبيب الذي يشجعك على الصيام هو نفسه يحسب أنه يحسن صنعا ويفعل ذلك عن حسن نية أو عن جهل بالدين، ويخيل لك أنك لم تصب بأذى، فكم من مريض يقول: أنا صمت ولم يقع لي شيء وأنت أيها الطبيب منعتني من الصيام ودفعتني إلى معصية الإفطار!!! ولكن هذا المريض الذي صام لا يدري ماذا أحدث من آثار داخل جسمه ووظائفه ولا بأس من التذكير بما ورد عن بعض الأئمة في التعليق على آية الصيام، قال: «من يقدر على الصوم بضرر ومشقة فيستحب له الفطر ولا يصوم إلا جاهل». ويقول في مكان آخر: «من لا يطيق الصوم بحال عليه الفطر واجبا». وهناك أقوال عديدة للعلماء في صوم وإفطار المريض يحسن العودة إليها.

د. محمد الحسن الغربي
——————
(*) الأصل في المقال محاضرة ألقيت في ندوة» التغذية بين الطب والفقه والواقع المعاصر»، بكلية الطب والصيدلة بفاس يوم السبت 30 ماي 2015، إعداد: د. الطيب الوزاني، ومراجعة صاحبها فضيلة الدكتور محمد الحسن الغربي حفظه الله تعالى.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>