لا يخفى على من له بصيص من العلم، وشعاع من المعرفة بالمجتمع، أن علاقة بعضنا مع القراءة ولَّت منذ زمــن، وأن الكتب أصبحت في المكتبات فوق الرفوف كالمرضى المستلقين على أسرتهم في المستشفيات يئنـون من الوجع، ويتجرعون كؤوسا مُرةً من الغربة والوحدة في ساعاتهم المظلمة الطويلة، لا أطباء ولا ممرضين يعتنون بهم ويدخلون البهجة عليهم، لا مقربين ولا أصدقاء يزورونهم ويتمتعون بمجالستهم والحديث معهم، لسان حالهم : «يا موت زر إن الحياة ذميمـة». هذا واقع الكتب في المكتبات.
أما حال القراءة في مجتمعنا فهي كجنة تجري فيها الأنهار، كثيرةِ النخل والأشجار ، تؤتي ثمارها وأكلها في كل آن ، أبى الناس إلا الإعراض عنها والعيش في صحراء قاحلة حيث القفار والرمال، وانعدام غذاء عقل وفكر الإنسان وتيسُّـر سُبل الجمود والانحطاط ، وإتاحة وأد المواهب والأفكار.
فيا ترى ما هي ثمار هذه الجنة –القراءة-؟ وما هي أسباب الإعراض عنها؟ وما هي دوافع الإياب إليها؟ وما هي قوانينها؟
فوائــد القراءة وثمارها :
القراءة أُسُّ في نمو ثقافة وفكر الإنسان، ومصنع يصنع الأجيال والحضارات، وسلم يرتقى به لسماء الرقي والازدهار، ومبعث من مباعث السعادة والاطمئنان، ومسن به تُشْحـذ المواهب والأفكار، ومطية تُمتطى للتنقُّـل عبر الزمان والمكان، ونبراس به يُخْرج من ظلمات التبعية والتقليد الأعمـى…
عــوائق القـراءة :
للقراءة عدة عوائق تحول بيننا وبينها، أهمها :
1 – التنشئة والبيئة التي يُربَّى فيها الإنسان، حيث يُنشَّـأ في أسرة تُعنى بتغذية الأجسام دون العقول، وتزيين أدراج البيت، ورفوف مخازنه بالأثاث والأواني بدل الكتب والمجلات النافعة.
2 – الغزو التكنولوجي الذي غزا بجنوده التي تتألف من تلفاز وحاسوب (وفيس بوك وتويتر ويوتوب) ومواقع ألعاب إلكترونية كل مسكن، واستحوذ على سكانه غير المدججين بأسلحة الوعي والمعرفة والثقافة ؛ فلو كان مستعملو هذه التكنولوجيا أذكياء عقلاء لاتّخذوها سفينة لاجتياز لجج الجهالة، وثديا يرضعون منه حليب العلم والتنمية.
3 – الاشتغال بغيرها، والتلاهي عنها بما لا يعني ولا يُغني…
4 – مجالسة ومخالطة جلساء السوء، المجهضين للأحلام الكبيرة، والأوطار العظيمة، المثبطين للهمم المتينة، والعزائم القوية، حيث يرسمون صورة مشؤومة لمستقبل عشاق الكتاب، وجريرة إهدار الأموال في ابتياعه، ويرسون جبالا سامقة من العراقيل والعقبات والصعاب يعسر تسلقها، فَارْبَأْ بنفسك صديقي أن تُرى مع هؤلاء، وفر منهم فرارك من الأسد والطاعون.
دوافـع القـراءة:
1 – بضد ما كتب آنفا في عوائق القراءة نستشف دوافعها هنا، ويعطف على ذلك إذكاء جمرة العزيمة التي خبت في أعماقنا، وامتطاء جـواد العزيمة للعروج إلى القمم العالية، واستحقاق إكليل الطبقة السامية.
همـة تنطــح الثريا وعــزم
نبــوي يـزعـزع الأجْبـالا
2 – اُحصل على الكتاب، وراع حالة اقتنائك له أن تقرأه قراءة استكشافية(1)، مع تحري أجود النسخ قلْبا وقالبا.
3 – أعد صياغة لائحة وقتك وتنظيمها وضبطها، وخذ لك حيزا منها للقراءة مهما كانت ظروفك وأحوالك .
4 – تسلح بالصبر لتخلو بالكتاب وتجالسه وتحادثه، حتى يصير من أعز أحبابك، لا تبغي عنه حولا، ولا ترضى بغيره بديلا .
لا تحسبن المجد تمرا أنت آكلـه
لن تبلغ المجـد حتى تلعق الصبَـرَا
5 – اِبدأ بالكتب الصغيرة والمواضيع التي تميل نفسك إليها وتُحَـبّـذهَا .
قـواعـد القــراءة :
للاستفادة القصوى من القراءة عليك بتهيئة المكان ، وإفراغ فكرك وعقلك من الشواغل ، وإلجامهما عن الشرود والذهــول، واغتنام أوقات سُلـو النفس وحبورها وانشراحها، والانكباب على الكتاب بكل حواسك محاولا فهمه واستيعاب أبعاده، ومحددا هدفك من قراءته.
وختاما يُرجى أن تجد هذه السطور هوىً في نفْس قٌـرائها، ودافعا لهم لاستنهاض هممهم نحو القراءة، فحيثما وجدت القراءة فالجادة المثمرة فثمت الحياة السعيدة ، وإن انعدمت فعلى الدنيا السلام.
بقلم : إسماعيل عثمان
ــــــــــــــــــــــــــ
(1) القراءة الاستكشافية : هي تصفح سريع للكتاب لمعرفة تمحوره ومحاوره وأفكاره.