افتتاحية – هل التعليم ببلادنا في أزمة لغوية أم بنيوية ؟!


إن التعليم أساس نهضة الأمم؛ فبالتعليم يُبنى المستقبل، وبالتعليم تَتفتَّق القرائح، وبالتعليم ينشط الإبداع، وبالتعليم تتطور التكنولوجيا ويحسن توظيفها، وبالتعليم ترقى المجتمعات البشرية من حضيض الجهل والأمّية والغش والرشوة والغفلة والتخلف وما إلى ذلك من سفاسف الأحوال والأوضاع، إلى ذُرى العلم والأمانة والنزاهة والفطنة والتقدم وما إلى ذلك من آفاق الحضارة والرقي، وبالتعليم تُفتح أبواب العلم وتُبنى الأمجاد، ويخدم الإنسان نفسه بما سخر الله تعالى له في هذا الكون، ثم قبل ذلك وبعده بالتعليم يعرف الإنسان ربه حق المعرفة.
وليس عبثا أن خاطب رَبُّ العزة رسوله المصطفى [ في أول كلمة من الوحي بقوله عز وجل: {اقرأ}، وليس عبثا أن أقسم جل وعلا بالقلم {وما يسطرون}، وليس عبثا أن رفع بقدرته الَّذِينَ آمَنُوا {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وليس عبثا أن جعل خشية الله الحَقَّة مقصورة على العلماء: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}. ليس عبثا كل ذلك،، لأنه، وبكل بساطة، لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؛ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ، إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الاَلْبَابِ}(الزمر: 9‏).
لكن يبدو وكأن التعليم في بلادنا اختُزِل دورُه في العقود الأخيرة، وفي جانب كبير من قطاعاته، اختُزِل فيما سُمي بتكوين الأطر وتكوين المكونين، أي في التوظيف أساسا، حتى إذا لم يوجد توظيف وسُدّت منافذه أمام حاملي الشهادات، صُوّبت سهام النقد إلى التعليم ذاته جملة وتفصيلا، وإلى أنه يُخرِّج عاطلين، أو أن التكوين فيه غير مُجْدٍ، ثم تدور عجلة النقد بجعجعتها في كثير من دوراتها غير المتوازنة، لتجعل من اللغة سببا لأزمة التعليم، حتى إذا قيل : وأي لغة تقصدون؟ أجابوا: طبعا العربية!!.
صحيح أن هناك أزمة كبرى في التعليم ببلادنا، وتزداد استفحالا على مَرّ السنوات بسبب ترَدِّي المستوى وتراجع الكفاءات، ولقد بَحَّ منذ زمان صوتُ المخلصين بالنداءات لإنقاذه قبل فوات الأوان..
لكن.. وبعد أن أدرك الجميع أن تعليمنا في أزمة.. هل حقا أزمة التعليم في بلادنا لغوية؟ وهل العربية هي لُبّ المشكل؟!
هل اللغة –أيّ لغةٍ– مسؤولة عن جهل التلميذ فيها –وهو في آخر مرحلة من مراحل التعليم الابتدائي هنا أو هناك من المناطق النائية أو المهمشة– هل هي مسؤولة عن جهله بقراءة نص بهذه اللغة أو إعادة كتابته؟!
هل اللغة مسؤولة عن أن يخرج التلميذ هنا أو هناك، في آخر السنة، ودفتره ناصع البياض، لم يُخط فيه بأي خط ولو عن طريق الخطإ، لسبب بسيط، وهو أن المعلم –يا سادة يا كرام- غير موجود طوال السنة لسبب أو لآخر، رغم شكوى الآباء والأولياء؟!
هل اللغة مسؤولة عن إسناد خمس مستويات أو أكثر إلى معلم واحد، يسافر منها وإليها وما حولها وباللغتين؟!
هل اللغة مسؤولة عن إسناد المواد التدريسية إلى غير أصحابها المتخصصين؟!
هل اللغة مسؤولة عن انتشار الساعات الإضافية حتى أصبحت سيفا مُصْلَتًا على رقاب التلاميذ وعلى آبائهم معاً؟!

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>