إعادة بناء أركان الأمة ضرورة حضارية


لا يخفى أن عودة الأمة للتفاعل الحضاري يقتضي منها الإعداد لنوعين من البناء:

الأول منهما بناء الإنسان السليم من الأمراض و الأهواء، القادرعلى ارتياد الآفاق والأرجاء،  مشبعا بروح الإيمان، حتى يتمكن من إصلاح ما حل ببيئته من فساد، وإعادة بنائهاعلى هدي القرآن الكريم وسنة النبي المصطفى.

والثاني منهما – و هو ناتج عن الأول – بناء الأمة المسلمة القوية الراشدة، القادرة على هداية البشرية الشاردة، في متاهات الماديات والصراعات إلى نور الله المبين وصراطه المستقيم.

ولن يتحقق للأمة هذان النوعان من البناء إلا بالعودة الصادقة إلى وحي ربها كتابا وسنة، والعمل بما فيهما من مبادئ تضع الأسس المنهجية السديدة للحياة الحميدة السعيدة.

ولن تتحقق دعوى العودة السليمة إلا بتربية الأجيال تربية صحيحة قويمة، يشبّون عليها منذ الصغر، ويعملون بها عن اقتناع عند الكبر، ولن تكون التربية ذات جدوى إلا إذا كانت غايتها إصلاح النفوس من كل أنواع الفساد و الانحراف.

و لن تثمر التربية أهدافها وتؤتي أكلها مالم تنشئ الأمة رجالا من أهل القوة والأمانة أولي القدوة الصالحة والعقول الراجحة، والكفاءات المتقنة والخبرات المتمكنة.

إن أمتنا اليوم تعيش حالة غير طبيعية:

فهاهي أوراق علمائها تتساقط يوما بعد يوم، فيرحلون إلى دار البقاء تاركين ثلمات لا تنثلم.

وها هي تفقد خيرة خبرائها ونبغائها ! فيَرحلون ويُرَحَّلون إلى ديار  الغرب بكل مكر ودهاء.

وها هم خيرة أبنائها يُزج بهم في أتون حروب البغضاء والشحناء والصراعات وكأنهم خصوم وأعداء.

وها هم صفوة أبنائها تقتلهم الرذيلة والفحشاء، وتتساقط طاقاتهم في أتون الجهل و الانحراف، وتتثاقل هِمَمُهم وتلتصق بالثرى هوانا وتخلفا.

إن الأمة اليوم بحاجة إلى بناء المؤسسات الصانعة للرجال، مؤسسات قادرة على إرساء العلوم النافعة وتعليمه الأبناء الأمة وفق موازين القرآن لإعادة بناء أبناء هذه الأمة وفق المنهج القويم الذي أرساه رب الناس.

إنها بحاجة إلى تكوين العلماء الذين هم وحدهم صمام الأمان، وهم وحدهم لا سواهم من يوجه بوصلة الأمة نحو طاعة الرحمان وما فيه صالح الإنسان في كل زمان.

و بحاجة إلى رعاية الطاقات والمواهب للتقدم إلى الأمام.

و بحاجة إلى المؤسسات العلمية ذات المشاريع المحققة للمقاصد الشرعية.

و بحاجة إلى مجتمع يحمي هويته من الوهن و الاختراق والاحتراق.

و بحاجة إلى تعليم ينهل من كل ما هو أصيل ويستقيم على ما جعله الله تعالى سواء السبيل حتى يحمي الأمة من كل الأدواء.

و بحاجة إلى إعلام صادق يصون بيضة الأمة من كل الأخبار الفاسقة والشائعات المغرضة، ويبث في الأمة كل ما هو خَيِّر و رشيد.

وبحاجة إلى إصلاح ذات بيننا، و تعمير بيتنا، وتمتين أخوتنا.

و بحاجة إلى توبة عاجلة، وأخلاق فاضلة، وحلول عادلة لقضايا أمتنا لتعود إلى مكانتها الرائدة التي كانت عليها على امتداد قرون خلت.

إننا في حاجة إلى بناء أركان الأمة، التي هي مقومات وجودها، ومسوغات شهودها، ولوازم عودتها الراشدة للشهادة والشهود الحضاريين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>