خلاص واختصاص


صابرت مشقة الطريق، وقطرات العرق تتلألأ على جبينها، وتنساب على الخدود؛ تاركة خطوطا شقت بياضا في أعماق سواد الغبار، ترفع عينين ذابلتين ضامرتين لم ينكف لهما مدمع، تكشفان تعب جسد منهك، وحرقة ندم على مجاورة الفتن.
تدثرت بلحاف الندم وطرقت الباب بعد وقوف طويل، كانت تروح فيه وتجيء بين الفينة والأخرى، تقرعه تارة بشدة وتارة تغيب.
غيابها آلمها، فحرك لسانها بحشرجة حزينة، فتاوهت قائلة:آه من غياب أنساني ضرورة الولوج، وأنا خلف الباب أحترق بنار البعاد، وينوء قلبي بثقله، وتدثرني أستار المعصية، فتلهب نفسي بنار الهم والغم.
ولكم أهفو إلى الخلاص في عالم التمني، لكن التمني بلا عزم حسرة فوق الحسرات، والتمني المفتقر إلى الإقدام آمال تسبح في غياهب المستحيل.
فهل أحتاج إلى معجزة تحركني للمسير قصد الوصول؟
لملمت شتات نفس مكسورة، واحتست دموع الندم لتغرس أرض الفطرة الخصبة بأشجار اليقين.
يقينها بضرورة تعهد البذور بالسقي لأنها إذا أهملت ذبلت وماتت؛ ولربما لم تنثر في القلب بذور أبد الدهر حتى يطوى العمر، فتتعمق الخسارة والحسرات.
يقينها بأن النفس التي تعلن الهزيمة قبل بدء الحرب فتلقي بأسلحتها تقضي نحبها ولم تدرك قط غاية وجودها.
يقينها بأن صدق الإحساس منة وضيف سرعان ما ينصرف إذا انشغل القلب بالأغيار.
يقينها بإشراقة خلجاتها بأنس مثمر، تنتظم حروف الذكر فيه خرزات محكمة متقنة رائعة البيان تحرك بعذوبتها زهور المشاعر.
يقينها بأنه خلاص واختصاص؛ خلاص من الغفلة والضلال، واختصاص لأنه نداء خفي يقذف في الروع معان جليلة، فيخفق القلب بشدة من دفء المعية، ليرتقي في مدارج حب الحق الذي لا ينسى عباده، ولا يغفل عنهم.
دة. رجاء عبيد

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>