خطبة منبرية – واجبنا تجاه الشباب


الخطبة الأولى:
عباد الله، كلمة شباب.. كلمة رنانة.. براقة.. أخاذة.. كيف لا.. وهي تحمل في جوفها الفتوة والأصالة.
الشباب هم صمام الأمان، وقوة للأوطان، وهم عُدَّة الأمم وثروتها وقادتها، فتأمل إلى الدور الذي قام به علي بن أبي طالب في شبابه عندما نام مكان رسول الله [ أثناء الهجرة وتحمَّل في سبيل ذلك المخاطر، وكذلك وضع أسامة بن زيد على رأس جيش به كبار الصحابة ولم يتجاوز عمره تسعة عشر سنة، ومواقف الشباب في الرعيل الأول والذي تلا ذلك جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا تبرز مواقف عدَّة تبين من خلال ذلك بطولات وطاقات الشباب..
وشرعنا المطهر أوضح اهتمامه بهذه المرحلة كي تكون عدة يعتد بأيامها لمستقبلها الدنيوي والأخروي، ونحن من خلال هذه الإضاءات، نتطلع إلى المستقبل الذي يحتفي.. ويربي.. ويستثمر.. ويحمي الشباب.. لأن الشباب هم مقياس تقدم الأمم وتأخرها، ومعيار رقيها وانحطاطها، والواقع اليوم يشهد قلة اهتمام من الحكومات والمؤسسات في الاهتمام بأعظم ثروة عندها وهي الشباب، فالنتاج اليوم وكل يوم نجد بأنه نتيجة أعمال فردية مرتجلة لا يسبقها تخطيط واضح، وعمل مترجم، ورؤية مستقبلية ناضجة، ونحن بهذا الحكم لا ننكر بروز بعض الجهود المبذولة في خدمة الشباب، إلا أن ذلك يعتبر نقطة في بحر مما يجب فعله لهذه الثروات القوية التي تتجدد بتجدد الأيام والأعوام..
ومن تتبع تاريخ الإسلام وجد أن الأخلاق والطهارة كانتا سبباً في تعمير البلاد بالإسلام وانتشار الأمن والأمان واندثار الرذيلة.
هذا الأمر أيها الأحبة أقضّ مضاجع أعداء الدين وأرّقهم، فقد عرفوا أن عزة المسلمين وكرامتهم وعظمتهم في أخلاقهم، فاجتهدوا ليل نهار ليُفسدوا على المسلم والمسلمة أخلاقهما، واستخدموا لذلك كلّ الوسائل والحيل، مسلسلاتٍ وأفلام.. مجلاتٍ وأقلام.. فضائيات وإعلام.. جرائد وإذاعات مليئة بالمعاصي والآثام.. فأوردوا لنا الفتن والرزايا، والمصائب والبلايا..
مؤامرةٌ تدور على الشباب
ليُعــرِض عن معــانقة الحـراب
مــؤامرةٌ تــــقـول لهـم تعالوا
إلى الشهوات في ظل الشراب
مــؤامــرةٌ مَــرامِـيـــها عِــــظامٌ
تُــدَبِّـــــرُها شــياطـيـــن الخــــــراب
وقد حَمّلَ الإسلام المسؤولية للكبار في إصلاح الشباب وإبعادهم عن كل خطر على أنفُسِهم وأخلاقهم ودينهم، وتربيتهم على ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وقد كان الرسول [ القدوة في توجيههم، فكم من الأحاديث التي تبدأ بقوله ﷺ:(ياغلام إني أُعلمك..) (يا غُلام احفظ الله..) (يا غُلام إذا أكلت فقل بسم الله..).. الكثير الكثير.. بل إنه طَبّق هذا المبدأ عملياً، فجعلهم قادة للجيوش مثل جيش أسامة بن زيد ابن الستة عشرة سنة، وبعثهم دُعاة كما فعل مع مُصعب بن عمير، بل جعلهم وُلاة كما ولى عليّا على المدينة في تبوك.. وذلك لأنهﷺ يعلم أن الشباب سبيل النماء، وعُنوان البناء، والحضارة والقوة والعطاء..
أيها الناس، في ظل ما نُعانيه لا بد من مضاعفة الجهود للعناية بالشباب على جميع الأصعدة، فالعناية بهم مسلك الأخيار، وطريق الأبرار، فلا تفسد الأمم إلا بفساد أجيالها، ولا تذِلُّ إلا إذا نالوا من شبابها..
وقد يتساءل البعض: ما المطلوب منا حيال الشباب؟ سؤال مُهم جداً، فشبابنا يحتاج منا الكثير؛ لأن ديننا يحتاج منا الكثير، ولأن أمتنا تحتاج منا الكثير.. ولأن وطننا يحتاج منا الكثير..
فشباب المسلمين ذكوراً وإناثاً يحتاجون منا:
أن نأمُرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يظنُّ أحد أنه ناجٍ من هذا. فهو فرض من الله تعالى علينا، بل سنُعاقب إن تركناه، قال [: (والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم). الشباب المسلم يحتاج منا أن نُعَظّم الله في قُلوبهم بعد أن سودتها الملذات والمحرمات.. وغرقت في بحر الشهوات.. وضَعُفَ الإيمان إلى أقل الدرجات.. وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ .
الشباب يحتاج منا أن نقف معهم ونُساعدهم ونُوجههم، وأن نكون قريبين منهم في مشاكلهم النفسية والاجتماعية والعاطفية والمالية وغيرها.. فإن لم يكن الآباء والأمهات والمعلمون والمربون وأهل الرأي لهذا الأمر، فإن له أعداء الدين.
الشباب يحتاج منا أن نتصف بالرحمة تجاههم كما كان الحبيب [ بهم رحيما، فهو الذي يقول: (من لا يرحم الناس لا يرحمه الله).
الشباب يحتاج منا أن نَعِفَّهُم في ظل الفتن العظيمة، فنمنعهم من الانجرار وراء الشهوات والمعاصي والعلاقات غير الشرعية بين الجنسيـن، فـمـا الذي يمنع من وجود هيئة لإعفاف الشباب المسلمين، تُشرف عليها وزارة معينة أو المجلس القروي أو البلدي؟ فهذا مشروعٌ خيرٌ من مشاريع كثيرة فائدتها آنيّة. وما الذي يمنع أصحاب الأموال من إقراض الشباب قُروضاً حسنة موثقة مكتوبة تُسدد في فترة معلومة تساعدهم على تحقيق مشاريعهم الحياتية؟ ألم تسمعوا إلى قوله [ : (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرةً). ويقول حبيبنا [ : (دخل رجل الجنة فرأى مكتوباً على بابها: الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر).
الشباب يُريدون منا أن نكون لهم قُدوة حسنة. فلا نقول لهم: لا تُدخنوا، وجل الآباء والمدرسين يدخنون..وللأسف كم من الآباء والأمهات وأولياء الأمور ممن فرطوا في مسؤوليتهم، وأضاعوا أماناتهم، وأهملوا أولادهم ومن تحت ولايتهم، إنا عرضنا الأمانة على السموات والاَرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الاِنسان إنه كان ظلوماً جهولاً ، فالتفريط في أمانة رعاية الشباب
خيانة عظمى، ومصيبة كبرى..
الشباب يُريد منا أن نُنمّي منهم من كان صالحاً، ونُصلح من كان غير ذلك، فإذا صَلَحَ الشباب؛ فسيكون للأمة مستقبلٌ زاهرٌ، ولشيوخها وكِبارها خلفاء صالحون..
الخطبة الثانية
أما بعد: أيها الأحبة: كان عمر بن الخطاب ]، يَتَفَقَّد أحوال الرعية يوماً، فَمَرَّ على بيت فيه طفل يبكي، فقال: أسكتيه يا أم الصبي، وذهب، ثم رجع فإذا هو يبكي، فقال: أسكتيه يا أم الصبي، ثم عاد مرة أخرى فإذا هو يبكي، فقال ]،: إنكِ أُمُّ سوء؛ أسكتيه..أرضعيه..فقالت: (وهي لا تعرف أنه عمر): أُريدُ أن أفطمه قبل أوانه، فعمر لا يُعطي العطاء إلا لمن فُطِمَ، فقال لنفسه: آه.. كم قتلتَ من أطفال المسلمين يا عُمر! ثُمَّ سنّ قانون العطاء للأطفال منذ ولادتهم…
ونحن أيها الناس، كم ضيعنا من شباب المسلمين بتقصيرنا تجاههم؟
كم من الشباب والفتيات انحرفوا عن الحق وعن الدين وتركوا تَعَلُّم الدين بسبب تركنا لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فإن بعض الشباب لا يعرف كيف يُصلي أو عدد ركعات الصلاة مثلاً.
كم من الشباب توجهوا إلى المعاصي والشهوات بسبب غلاء المهور وطلبات الزواج؟ فوالله الذي لا إله إلا هو إن عفة شاب مُسلم خير عند الله من أموال الدنيا كُلّها.. ووالله إن طهارة عرض بنتٍ مُسلمة أحبّ إلى الله من كل كنوز الدنيا.. اسمعوا إلى حبيبنا [ وهو يقول: (إن من يُمْنِ المرأة تيسيرَ خطبتَها وتيسيرَ صداقَها)..
عباد الله، الشباب هم مصدر الانطلاقة للأمة، وبناء الحضارات، وصناعة الآمال، وعز الأوطان، ولذلك هم يملكون طاقات هائلة لا يمكن وصفها، وبالسهو عنها يكون الانطلاق بطيئا، والبناء هشا، والصناعة بائدة، والمذلة واضحة، والتطلع المنشود هو اكتشاف الطاقات للشباب، ومن ثم توجيهها إلى من يهتم بها ويفعلها التفعيل المدروس، حتى يتم استثمارها، واعتبر بأن هذا المشروع الاستثماري له أرباح مضمونة متى ما وجد اهتماما بالغا من الحكومات والمؤسسات، والتطلع المنشود من خلال هذا المحور هو عملية تعديل إيجابي تتناول طاقة الشاب وتنميها، حتى يكتسب المهارة والإتقان..
أيها الناس: إن من الواجب علينا إصلاح الشباب حتى ينشأ منهم العلماء العاملون والصُّناع المحترفون، وأرباب الأسر الصالحون المُصلحون.. فإن صلحوا سَعِدَت بهم أُمتُهُم، وبُني بهم وطَنُهُم، وقرّت بهم أعيُن آبائهم وأمهاتهم، فحريٌّ بالآباء والأمهات وبالرجال والنساء القوامين على التربية، عدمُ إغفال هذا الأمر، فإن لم يكن ذلكَ فقد ظَلَمت الأمةُ نَفسَها، وخَسِرت أجيالَها، وهضمت حقّ دينِها، وأضاعت رسالَتَها، قال تعالى:﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾..
اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم كن لهم برحمتك وليا ونصيرا..

ذ. محمد بوهو

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>