إلى أن نلتقي – ابتسم، إنها صدقة !


في بداية كلمة عمود هذا العدد، أجد نفسي مضطرا إلى التوجه إلى الله سبحانه وتعالى بقلب خاشع، وعين دامعة، وقلب مطمئن بقضاء الله عز وجل، بأن يرحم فقيد الابتسامة، أستاذنا الدكتور عبد السلام الهراس، وأن يغفر له ويسكنه فسيح جناته، وأن يجمعنا به يوم القيامة في جنة الخلد إخواناً على سرر متقابلين، فلقد كان رحمه الله معلما في كل شيء، حتى في الابتسامة. ومنه تعلمت رحمه الله أن الابتسامة الصادقة لا تتنافى مع القلب الخاشع، ولا حتى مع العين الدامعة، بل وحتى مع فراق هذه الدنيا الفانية. ففي مسند البزار، عَن أَنَس بن مالك ، قَالَ: “لَمَّا كان يوم الاثنين كشف رسول بالله سِتْرَ الْحُجْرَةِ، وَأبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، فَنَظَرْتُ إِلَى وَجْهِهِ كَأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ وهُو يَتَبَسَّمُ، كِدْنَا أَن نُفْتَتَنَ فِي صَلاتِنَا فَرَحًا بِرُؤْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يُنَكِّصَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ أَنْ كَمَا أَنْتَ، ثُمَّ أَرْخَى السِّتْرَ حَتَّى قُبِضَ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ”.
وأحسب أن جريدة “المحجة” الغراء ستخصص للفقيد رحمه الله عددا خاصا، تذكيرا ببعض شيمه وأخلاقه العالية.
وبعد ذلك أقول إنه انطلاقا مما ذُكِر في هذا العمود من العددين السابقين يمكن القول إن الابتسامة سِمة إسلامية حضارية متميزة، فهي كما في الحديث النبوي صدقة، ثم إنها تعبر عن رِقّة الأحاسيس وسموّ المشاعر والنظرة الإيجابية تجاه الآخر، كيفما كان هذا الآخر، كما أنها سلوك إنساني رفيع يُشعِرُ صاحبَه بالطمأنينة والارتياح، بل ويدفعه إلى النجاح والسعادة؛ حيث تبيَّن أنَّ الشخص الذي يبتسِم دائمًا هو أكثرُ الأشخاص جاذبيةً وقدرةً على إقناعِ الناس. كما أنه بابتسامته يزرع الأمل في نفوس الآخرين، وخاصة من اليائسين من أولئك الذين شبعوا من الدنيا بما أوتوا من أطرافها، أو من الذين هم في بداية آمالهم بأن يؤتوا حظا منها، وذلك بسبب ما للابتسامة من تأثير في العقل الباطني للآخر، وعليه قدَّر بعض العلماء المختصين أن الابتسامة قد تفوق العطاء المادي في كثير من الأحيان.
ذلك أن الابتسامة بقدر ما لها من التأثير الإيجابي من الناحية النفسية، لها دور مماثل في الجوانب الأخرى للإنسان المتلقي للابتسامة، فهي تساعد المتعلمَ على التعلُّم، والمريضَ على الشفاء، وتشجع على الإنتاج وتدفع الزبون إلى الاقتناع بجودة السلعة، حتى إننا نجد في المثل الصيني –والصينيون هم رواد التجارة في العصر الحاضر كما هو معلوم- نجد ما نصه: “إنَّ الذي لا يُحسِن الابتسامة، لا يَنبغي له أن يَفْتح متجرًا”. و ذكرت بعض الأخبار منذ زمن أن عُمَّالَ أحد المحلاَّت التجارية الكبيرة في إحدى الدول الغنية طالبوا برفْع أجورهم، فرفَض صاحبُ المحل، فما كان مِن عمَّاله إلاَّ أن اتَّفقوا على ألاَّ يبتسموا للزبائن، ردَّ فِعْل على صاحب المحل، فأدَّى ذلك إلى انخفاضِ دخْل المحل في الأسبوع الأوَّل حوالي (60%) عن متوسِّط دخْله في الأسابيع السابقة.
وطبعا فإن المقصود بالابتسامة هي تلك الابتسامة الصادقة النابعة من القلب، وليس تلك الابتسامات المتصنَّعة الأخرى، فالقلوب تتفاعل مع الحقيقة الصادقة وليس مع المظاهر الخادعة والمنافقة.
فابتسم أخي الكريم إنها صدقة..

د. عبد الرحيم الرحموني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>