ذ. محمد البويسفي
ما نشرته الجريدة الفرنسية من الرسوم المسيئة للنبي ، وقبلها الإساءات السابقة للرموز الدينية الإسلامية في الغرب عموما، سواء تدنيس المصاحف أو المساجد،يأتي في سياق «الإسلاموفوبيا»، والعداء للإسلام، وتشويه صورته أمام الرأي العام الغربي.
منطلقات الجريدة الفرنسية هي حرية التعبير عن الرأي والفكر، الذي تنعم به الدول الغربية، والجرأة في تناول المواضيع والطابوهات ..، وانطلاقا من علمانيتها وعدم اعترافها بالأديان والإله والمقدسات، ونظرا لسهولة النيل من الإسلام هناك، عكس وضعية اليهود في فرنسا التي يصعب النيل منها، لوجود قانون معاداة السامية، الحامي لليهود واليهودية، والسيف المسلط على كل من ينتقدهم في فرنسا.
غير أن التفجيرات التي وقعت في مقر هذه الجريدة ردا على إساءتها -إن كان المسلمون فعلا هم المدبرين لها- لقيت استنكارا عالميا واسعا للجهة المنفذة، وتضامنا دوليا مع فرنسا، تُوج بالمسيرة الباريسية، وما زال مستمرا لحد الساعة، لم نشهد مثله ولا نصفه أو ربعه عندما قتل متزعم هذه المظاهرة «نتن ياهو» أكثر من ألفي فلسطيني خلال هذا الصيف جلهم أطفال ونساء، في نفاق غربي فاضح، والكيل بمكيالين في تعاطيه مع قضايا حقوق الإنسان.
مسيرة غلب عليها الحشد والتعبئة، على شاكلة الاصطفاف الذي رأينا في 11 شتنبر ومنطق: من ليس معنا فهو ضدنا. وتغطية إعلامية محرضة على المسلمين لشق صفوفهم، وانتزاع صك على بياض من النخب العربية، لمحاربة التيارات الدينية المعتدلة، والقضاء على ما بقي من الربيع العربي.
وسأقف وقفات بهذه المناسبة، وقفة مع فعل الإساءة الغربية، ووقفة مع رد الفعل على هذه الإساءة، ووفقة مع مفهوم النصرة.
الإساءة دلالة على الإفلاس الغربي :
هذا الأسلوب الرديء والمنحط في النيل من الإسلام يدل على تخبط الغرب وفشله أمام زحف الإسلام، فاللجوء إلى الإساءة والتشويه في مواجهة الإسلام والمسلمين دليل على فشل الغرب وإفلاسه في قيمه ومبادئه «الكونية» عندما ضاق ذرعا بوجود الإسلام وانتشاره هناك، متجاوزا الفكر الغربي العلماني المعادي للدين، والمنادي بالحرية والمساواة والعدالة وحقوق الإنسان، لكن سرعان ما بدأت تتساقط هذه القيم «الكونية»: الديموقراطية والحرية والفن..،
فالأولى تعني التعددية والمشاركة، وقبول الاختلاف والتعايش مع الآخر، . . وكل هذا غاب عندما تم اللجوء إلى أساليب دنيئة منحطة، وهي الإساءة والتشويه، في محاولة لإقصاء الآخر المنافس.
الحرية التي تعني الحرية في التعبير عن الرأي والفكر والإبداع الخلاق تتحول إلى الحرية في الإساءة والنيل من الآخر، واستغلال الحريات الفردية لأجل الاعتداء على الحريات العامة والمس بالمقدسات، وهو ما يسمى في لغة الرياضيين: الضرب تحت الحزام، وهو خرق لقوانين اللعبة، يلجأ إليه المنهزم للنيل من خصمه، بعد العجز عن النيل منه وفق قوانين اللعبة.
تحويل الرسم، والذي هو فن راق للتعبير عن الأفكار النبيلة والإحساس الرهيف، إلى أداة للإساءة والانتقام، وتفريغ الأحقاد والضغائن، وفي هذا انحراف بالفن عن وظيفته النبيلة والجميلة..
المسلمون بين الانفعال وتأسيس الفعل :
انتشر الإسلام ويتنشر في الغرب ليس بالعنف ولا بالسيف أو الرصاص، وإنما انتشر بسبب قوة الإسلام في ذاته، لأنه دين الفطرة والعقل، لأنه يجيب عن أسئلة الإنسان المحيرة، لأنه بقي صافيا محفوظا في نصوصه، ولم تصله يد البشر بالتحريف والتبديل،لأنه الحق من عند الله تعالى، ولأنه بعيد عن أهواء الناس المتغيرة..
ينتشر الإسلام في الغرب بسبب وجود الجالية المسلمة في الغرب، واحتكاك المسلمين بالغربيين، والتعرف على أخلاق المسلمين الطيبين ومعاملاتهم هناك، بسبب الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
فلا ينبغي أن يكون الرد بالعنف والتفجيرات، وهو أسلوب مرفوض لأنه أسلوب عقيم، ويأتي بنتائج عكسية، وهذه الإساءات تكون أحيانا فخاخا لإيقاع المسلمين في الرد العنيف، ثم تصويره على أنه هو حال المسلمين المتوحشين الرافضين للحضارة والديموقراطية والرافضين للآخر، وأن المسلمين متعطشون للدماء، ومثل هذه الردود العنيفة إن ثبت أن المسلمين وراءها نتيجتها تشويه صورة الإسلام، وتأليب التيار اليميني المتطرف في الغرب على الإسلام والمسلمين، وتمهيد الطريق لمحاربة التيار المعتدل من الإسلاميين، أما المتشددون فيقدمون خدمات جليلة للغرب بتصرفاتهم وردودهم غير المحسوبة.
ماذا ستضر هذه الإساءة الإسلام والمسلمين؟ لن تضرهم في شيء غير زيادة تمسكهم بدينهم، وزيادة غيرتهم عليه. وماذا سيجنيه الغرب من هذه الإساءة؟ لن يجني شيئا غير زيادة بغض المسلمين للغرب، ونشر الكراهية والبغضاء، إلا إذا كانت استدراجا للمسلمين ولردودهم.
نصرة النبي بالاقتداء به :
نصرة النبي ، لا تكون بالانفعال والبكاء والصراخ، ثم الركون إلى الراحة والكسل، واستهلاك ما ينتجه الغرب من تكنولوجيا وعلوم ومعارف ومنتوجات مادية تتوقف عليها حياتنا، ولا تكون بالخطب العصماء في مدحه وادعاء حبه، وواقعنا يشهد علينا بمخالفته في سنته: فالظلم يمشي على أرجله بيننا، وكذلك الغش والخيانة، والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق .. ،
وإذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا
ولكن حسن القول خالفه الفعل
نصرة النبي إنما تكون :
- بالالتزام بسنته واتباع طريقه ومنهجه في الحياة.
- وبالاقتداء به في نفع الناس ونشر الخير والصلاح في الأرض، بنشر العدل والإحسان، والرحمة..، في الفعالية والإيجابية، والأخذ بأسباب القوة والتمكين في الأرض. بالخلق الحسن والعشرة الحسنة، والرحمة ..