من أوراق  شاهدة


فتوحات السابقين .. فتوحات الخوالف

حين نجلس صباحا حول مائدة الإفطار، وتمتد أيادينا إلى عجائن الهلاليات  ويلذ لنا طعمها الهش المقرمش فنحن بكل تأكيد لا نعرف أن وجبة المعجنات هذه في هندستها الهلالية قد صممت نسبة إلى الهلال الذي كان يتوسط العلم العثماني الإسلامي، وكان الأوربيون يحتفلون في أعيادهم بانتصارهم على المسلمين بأكل هذه الهلاليات كناية عن قضائهم على التوسع الإسلامي الذي ذاقوا في زمنه صنوفا شتى من الهزائم، في الوقت الذي نزدرد فيه نحن هذه الهلاليات في جهل تام لتاريخنا إذ لا نعي فصوله إلا من خلال عناوين مدرسية هي عبارة عن جملة كليشيهات باردة، لا تفضي بأي شكل إلى تمثل عميق لتاريخ ماجد  يجب أن تسري عظمته في خلايا روحنا قبل أجسادنا، ذلك التاريخ الذي بصم محطاته الظافرة مسلمون كانوا سادة في البر والبحر.. وكانوا في فتوحاتهم العظيمة دعاة تغيير لقيم الجور  بسعيهم عند الفتح لتشييد المساجد والمكتبات  عكس الاستعماريين الغربيين وحروبهم التي كانوا  يخوضونها لقضاء مصالحهم التوسعية فحسب.

وتنقل كتب التاريخ أن إمبراطوريتي الروم والفرس، سعتا لزعزعة استقرار الدولة الإسلامية الوليدة عشية وفاة الرسول  بتأليب المرتدين وتشجيع حركة التنصير بالجزيرة، الشيء الذي قابله المسلمون بحملة الفتوحات التي أبلى فيها صحابة رسول الله  بلاء الفرسان البواسل، حيث سطروا ملاحم خارقة ضد البيزنطيين كما في معركة أجنادين، ومعركة اليرموك التي أجلى فيها الفاتحون المسلمون جنود الروم وإمبراطورهم المهزوم قيصر زمن خلافة عمر بن الخطاب ، ومعركة القادسية الشهيرة التي كان النصر فيها حليف المسلمين ضد الفرس. ويجمع المؤرخون المنصفون على أن هذه المعارك المباركة كانت تتم وفق نهج دقيق لتعاليم السنة النبوية بحيث أن قادتها كانوا كما قيل في وصفهم رهبانا بالليل وفرسانا بالنهار إذ يتخذون كل الأسباب الموضوعية لتحقيق النصر، من تخطيط واستعمال لأنجع مهارات التجسس والتربص والمباغثة، وهكذا وفي معركة أجنادين على سبيل الذكر كان القائد الفذ خالد بن الوليد يضع النساء في مؤخرة الجيش ويحثهن وأطفالهن لملازمة  التوجه والدعاء لتثبيت المجاهدين وصدهم عن الارتداد إلى الخلف. وهي لوحة عظيمة تشي بما كان للمسلمين من تقدير لشخص المرأة كفاعل رئيسٍ في المعارك التي كانوا يخوضونها لنشر الدعوة، فهم من جهة يجنبونها ويلات الحرب وشدائدها رأفة بها، وفي  نفس الآن يؤمنون بقيمتها الإنسانية التامة وقدرتها على التعبئة النفسية للمجاهدين..

ومقابل هذه المحطات المشرقة تطالعنا معالم التردي الأخلاقي الذي تسرب إلى نفوس جيوشنا العربية. ويكفي المرء أن يدير محرك البحث في خانة الفيديوهات ليصاب بالصدمة، فلا يكاد يخلو شريط عربي من مشاهد خلاعة وشراسة وجبروت، أبطالها جنود عرب يعيثون تدميرا وذبحا واغتصابا في أجسام المستضعفين، بل وصلت بهم جرعة القسوة حد إفناء قرى بكاملها،  باستعمال الأسلحة الكيماوية الفتاكة. وفي السياق سئل العالم الألماني ألبرت إنشتاين عن معالم الحرب العالمية الثالثة فكان جوابه ثاقبا يلخص بعمق انسلاخ الإنسانية من ضميرها وأخلاقها وهي تقود حروبا استعمارية جديدة وتسعرها بجنود عرب، ضيعوا الإرث النبوي الأخلاقي في معارك دموية يسمونها زيفا بالجهاد ، حروب لن تفضي إلا إلى الدمار والخراب الشامل. يقول إينشتاين (أنا لا أعرف الأسلحة التي سوف تكون في الحرب العالمية الثالثة لكن الحرب العالمية الرابعة  ستكون بالعصي والحجارة) كناية عن حجم العنف الذي سيطبعها كحروب لا تروم استنقاذ العباد بقدر ما تسعى إلى تدجينهم وسلبهم أمنهم وأرزاقهم قبل أن تزهق في الأخير أرواحهم .

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>