إشـــــــــــراقـــــــــة – أثر الدعاة العاملين في قلوب المومنين 


قال رسول الله  : «إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه بما بعثني الله به، فعَلِم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» (متفق عليه)، “فقه” بضم القاف على المشهور، وقيل: بكسرها، أي : صار فقيها.

إن إحياء العلماء للقلوب الميتة بوابل الحكمة والموعظة الحسنة لا يقل عن إحياء المطر للأرض الميتة، وقد صنف النبي  العلماء إلى ثلاثة طوائف :

فالأولى هي التي قبلت الماء وأنبتت الكلأ، وهم العلماء الذين أحيا الله بهم قلوب الناس، قال أبو بكر محمد بن مسلم : كان لي شيوخ كانت رؤيتهم لي قوتا من الأسبوع إلى الأسبوع.

وقال منصور بن عمار : إن الحكمة تنطق في قلوب العلماء بلسان التذكير، فلهذا كانوا إذا جلسوا عند الحسن خرجوا من مجلسه زهادا في الدنيا. قال أشعت: كنا إذا دخلنا على  الحسن خرجنا ولا نعد الدنيا شيئا.

وقال سليم بن منصور بن عمار بن كثير السري الواعظ توفي ببغداد : رأيت أبي في المنام فقلت : ما فعل الله بك؟ فقال: إن الرب قربني وأدناني وقال لي : يا شيخ السوء تدري لما  غفرت لك؟ قلت لا يا إلهي، قال : إنك جلست للناس يوما مجلسا فبكيتهم، فبكى فيه عبد من عبادي لم يبك من خشيتي قط فغفرت له ووهبت أهل المجالس كلهم له ووهبتك فيمن وهبت له.

هذا هو مثل الطائفة الأولى التي أمطرت دموع العيون بوعظها فأنبتت خشية الله تعالى في القلوب، وهو مثل من فقه في دين الله فعلم وعلم.

أما الطائفة الثانية : فهي التي أمسكت الماء ولم تنبت به شيئا، فانتفع الناس به ولم تنتفع هي به وهو مثل العالم الذي لم يجتهد على نفسه ليتحقق بما يدعو إليه، وانهزم في المعركة مع الأهواء والشهوات، فهو واقع في أشد المذمات لأنه صاحب إمامة في دين الله، فكان عليه أن يقصد نفسه بالأمر والنهي أولا، وإلا فهو كما قال النبي  : «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان ما لك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول: بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه» (متفق عليه).

أما الطائفة الثالثة: وهي التي لا تمسك الماء ولا تنبت عشبا ولا كلأ، وهو مثل الذي لم ينتفع في نفسه ولم ينفع غيره.

يقول الإمام مالك  : إن لم يكن للإنسان في نفسه خير لم يكن للناس فيه خير.

وهذه هي الطائفة المشار إليها في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال : قام فينا رسول الله  بموعظة فقال : إنه سيجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول : يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح (أي عيسى ) : وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم (المائدة : 117-118)، فيقال لي : «إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم» متفق عليه.

قيل، هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتله

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>