الـحـوار ودوره الـتـربـوي


ذة. أمينة الطالبي

إن العملية التعليمية التعلمية في إطار ما تشهده المنظومة التربوية من إصلاحات مكثفة تستلزم تضافر جهود الأطر التربوية، من آباء، ومدرسين، وإداريين، كل من زاويته، فالمدرس في فصله يجب أن يؤدي مهمته التي أنيطت به؛ وهي مهمة معقدة وصعبة؛ لأن هدفها هو صناعة الأجيال، وهذه الصناعة تتداخل فيها عناصر عدة: نفسية، واجتماعية، وتربوية…

ولا شك أن التعليم يبنى على التواصل والحوار؛ لذا كان لزاما على المدرس أن يكون قادرا على التواصل، متصفا بآداب الحوار، فرب مدرس يمتلك المعارف لكنه لا يستطيع تبليغها بأسلوب دقيق، وبطريقة جيدة، ومن هنا تبرز أهمية الحوار.

فما مفهوم الحوار؟ وما هي آدابه التربوية في السنة النبوية؟ وما هي الأهداف التي يسعى إليها؟

مفهوم الحوار:

الحوار في اللغة: «الحوار مأخوذ من الحور وهو الرجوع عن الشيء وإلى الشيء، والمحاورة: المجاوبة، والتحاور: التجاوب، والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة».

أما الحوار في الاصطلاح فهو: نوع من الحديث بين شخصين، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة ما، فلا يستأثر به أحدهما دون الآخر، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب».

نستخلص أن التعريف اللغوي قريب من التعريف الاصطلاحي، فالحوار لا يتصور إلا بوجود طرفين أو أكثر، من أجل تبادل الكلام، والتوصل إلى الأهداف المنشودة التي انطلق منها.

آداب الحوار من خلال حديث أبي أمامة:

استخدم الرسول  أسلوب الحوار والمناقشة في العديد من المواقف التعليمية مع صحابته الكرام رضوان الله عليهم، فكان  يختار الأسلوب التربوي الذي يناسب المقام التعليمي؛

فعن أبي أمامة  أن فتى شابا جاء إلى النبي  فقال له : «ائذن لي بالزنا يا رسول الله.

فأقبل عليه القوم فزجروه، وقالوا:مه !مه!

فقال  : ادنه.

فدنا منه قريبا فجلس.

قال  : أتحبه لأمك؟

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك.

قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.

قال: أتحبه لابنتك؟

قال: لا يا رسول الله جعلني الله فداك.

قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم.

قال: أَفَتُحبه لأختك؟

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك.

قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم.

قال: أفتحبه لعمتك؟

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك.

قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم.

قال: أفتحبه لخالتك؟

قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك.

قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.

قال: فوضع رسول الله  يديه عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه.

قال: فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء».

تأمل كيف حكـَم الرسول  عواطفه وعقله في تعامله مع المخطئ ، على الرغم من ردة فعل القوم حينما زجروه، ومع زجر القوم لهذا الشاب يصمت الرسول  ويشير إليه ( ادنه ) أي اقترب مني !

ويؤخذ من هذا الحديث مجموعة من الآداب، نذكر بعضها:

< فقه الرسول   بحال المخطئ:

فقد أوجز وأبلغ في وقت يسير، حيث لم يتكلف ذكر الأدلة الموجودة في القرآن الكريم، ولم يذكر العقوبة المترتبة على ذلك، ولم يحصل التوبيخ أو التحذير، بل عالج ذلك بالانطلاق من واقع المخاطب ومعهوده في الإيمان بالقيم الإنسانية في احترام الأعراض وحفظها وفي نكران الزنا وذلك بكلمات يسيرات، وبأساليب راقية، جعلت هذا الشاب يخرج من عند الرسول والزنا أبغض شيء عنده !

< مخاطبة العاطفة والوجدان :

احتوى هذا الموقف التعليمي رصيداً عاطفياً بالحال واللسان من قِبَل الرسول  مع هذا الشاب، فبالحال قوله: «ادنه»، «فدنا منه قريبا»، «فجلس». أما باللسان فقوله : «أتحبه لأمك؟»، «أتحبه لابنتك؟»، «أتحبه لأختك؟»، «أتحبه لعمتك؟»، «أتحبه لخالتك؟».

< مراعاة الأحوال النفسية للمخاطب:

فقول الرسول   لهذا الشاب «ادنه»، فيه تهيئة نفسية للشاب لكي يبدأ في مشواره الذي يعْدُل به عن قناعته وحبِّه للزنا ..

< وضع اليد على المخاطب لإدخال الطمأنينة والسكينة إلى قلبه:

إن وضع النبي  يده على صدر الشاب تعتبر لمسة نفسية تشفي الرغبة التي كانت تتحدث بها نفسه عن هذه الفاحشة، وتجعله يعدل عنها.

< الرفق واللين في الحوار:

لا شك أن القلوب تميل إلى من يلين ويرفق بها، وتنفر الطبائع البشرية من الفظ الغليظ حتى ولو كان من خير الناس، وهذا الأمر واضح في أساليب النبي  كلها.

< الدعاء بالكلام الجميل:

حرص الرسول  أن يبتهل إلى الله بصلاح هذا الشاب، فقال: «اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه»، كما كان سماع الشاب لهذا الدعاء سببا في قبول النصيحة، والإحساس بحب المخاطب واهتمامه به.

فهل رأيتم حوارا مثل هذا الحوار الطيب الجميل بين المعلم والمتعلم، ولطف المعلم بالمتعلم؟

وهنا ننبه المعلم المسلم إلى ضرورة اتباع أسلوب الحوار بينه وبين تلاميذه، وأن يكون المعلم صبورا على المتعلمين، رفيقا بهم.

فالمعلم الناجح هو الذي يخطط للحوار في تدريسه، ويحرص على تقويم سلوك المتعلمين بما يقنعهم ذلك من الحوار، ويثير انتباههم، ويحثهم على التفكير، كما ينبغي أن ينمي فيهم القدرة على الدفاع عن الرأي دون تعصب.

الأهداف التربوية للحوار:

للحوار أهداف تربوية كثيرة نجملها فيما يلي:

- إكساب المتعلم القدرة على الجدال، وتقبل آراء الآخرين إن كانت صائبة، ونبذ التعصب.

- ترسيخ المعلومات والاحتفاظ بها في ذهن المتعلم.

- انصراف المتعلمين لعملية التعلم بعقولهم وحواسهم.

- إتاحة الفرصة للتعلم التعاوني الذي يحقق منفعة مشتركة بين الزملاء في الصف، ويعزز الشعور بالانتماء، والأخوة، ووحدة الهدف.

- المحافظة على انتباه الطلبة وتركيزهم داخل الحصة، ومتابعتهم لعمل المعلم.

- توفير الحيوية والنشاط، والبعد عن السأم والملل الذي قد يصيب المتعلمين.

- الرفع من مستوى تحصيل المتعلمين، وتعزيز ثقتهم بنفوسهم، واكتشاف قدراتهم.

وأخيرا يمكن القول: إن الحوار من الطرق الناجعة في التعليم والتعلم، التي يجب أن يستحضرها المعلم في العملية التعليمية، وأن يشجع المتعلمين على توظيفها والتدرب عليها.

—————-

- لسان العرب، ابن منظور،مادة حور، مج4، ص: 217-219، دار صادر بيروت.

- فنون الحوار والإقناع،محمد  راشد ديماس،دار ابن حزم، ص: 11،ط 1(1420هـ-1999م).

- رواه أحمد في مسنده.

- الحوار في القرآن الكريم، معن محمود عثمان ضمرة، ص: 123 أطروحة الماجستير، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين، 2005م.

- الحوار وبناء شخصية الطفل، سلمان خلف الله، ص: 57، مكتبة العبيكان الرياض، ط(1419هـ- 1998م).

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>