وذكرى المولد النبوي الغالية تهل علينا نجد الصيغ التعبيرية الروحية تطاوعنا أكثر للتوقف عند الحدث نفسه أي لحظة الولادة المباركة للتدبر في دلالاتها، حيث إذا ما عدنا إلى التحقيب الزمني لفترة ما قبل ولادة المصطفى ، هالتنا الأوضاع المزرية للكيان البشري المكال إلى معايير المال والنسب والنفوذ لضمان عيش إنساني كريم، والحال أن الله عز وجل الذي لا تقوم الحضارات وتزدهر ثم تأفل إلا بإذنه، شاء لهذه الرسالة الخاتمة أن تتنزل في ظل هذه الأوضاع لحكمة بليغة مفادها إعمال التفكير في النور الذي أضاء الكون كله عند ولادة المصطفى بالمقارنة بتلك الأحوال الظلامية المخيفة. سواء أكان هذا النور ماديا ملموسا كما جاء في السيرة النبوية الشريفة.
روى ابن سعد أن أم رسول الله قالت: «لما ولدته خرج من فرجي نور أضاءت له قصور الشام»
أو نورا معنويا كما تبدت ملامحه من خلال انهيار معالم الحكم القديم الجائر. إن سقوط شرفات من إيوان كسرى وخمود نار المجوس وانهدام كنائس بعينها، تجلي في مجملها رسائل كونية ربانية مصورة ترسخ بداخلنا للتثبيت أن الطاغوتية والشرك لا محالة يسقطان أمام النور.
لكن أي نور؟؟؟
إنه نور محمد الذي توفرت في خصاله شروط المعية والنصرة من صدق وإخلاص وصفاء عبودية ورسوخ في الإيمان بالحق المنزل عليه، فلم يكن الرجم بالحجارة والمقاطعة والتعذيب والمحاصرة والتلطيخ بالروث والسب إلخ ليلفته عن مشروع البناء الجديد لأمة استنقاذ البشرية من العتمات السادرة.
إن المعية الربانية من خلال هذه المبشرات المرافقة لولادة الرسول والمستصحبة بهذا النور العظيم الذي انبعث من كيان آمنة ،عرضت بكل وضوح معالم هذا المشروع الذي بنوره الرباني لن تصمد أعتى الديكتاتوريات وهي الرومانية والفارسية وكلتاهما قامتا على أسس الإستعباد والطبقية وتقسيم الناس بين نبلاء لهم كل اللذات ومستضعفين يقدم سجناؤهم لمصارعة الأسود المتضورة جوعا فإن غلبتهم الأسود أكلتهم لتنشيط فرجات الأسياد.
ولا يختلف الوضع في الجزيرة العربية حيث الانحدار الخلقي بلغ مداه.
لقد جعل الخالق للمشروع الإسلامي مبشرات مطمئنة منذ البداية -كما أسلفنا- ووكل بالمشروع إنسانا فيه صفات دحر الطواغيت وإن كان رجلا أميا، وجعل أعداءه بحجم إمبراطوريات راسخة القدم على مستوى الحضارة المادية ليقول لنواب ومجاهدي اليوم في عناوين :
1 ــ إن نور الإسلام لا محالة يسقط الإمبراطوريات والديانات التي تحمل في صلبها معالم محدوديتها.
2 ــ إن مفهوم غلبة الحق للباطل هو وعد وسنة ربانية لا تتخلف، وتأكد هذا الوعد من خلال رسول الله وصحابته في معارك تاريخية عظيمة قابل فيها جند الله القليلون مئات الآلاف من جنود الإمبراطوريات العاتية فكانت الغلبة لهم.
3 ــ إن المرأة المسلمة عنصر أساسي في صلب الحراك والتغيير. فآمنة أخرجته من رحمها إلى العالم، وخديجة بنت خويلد واسته بمالها ومشورتها ووجودها الرحيم، وفاطمة كانت نسخة طبق الأصل منـه، وعائشة كانت وعاء علمه إلى العالم الإسلامي حتى تقوم الساعة، ونساء الصحابة عالمات ومهاجرات رافقنه في مسيرة تعميم الحق برا وبحرا بالفضاء الخاص والعام رضي الله عنهن جميعا، الشيء الذي تنكسر معه يقينيات مغرضة حول اضطهاد الإسلام للمرأة.
فمتى نتوقف عند هذه العناوين بعمق التأمل والنظر وصدق العمل لنحسن الولوج إلى غد النصرة والظفر؟
ذة. فوزية حجبـي