تسخير القصة في تيسير السيرة النبوية أولويةٌ في أفق الكتابة للطفل


1 – لماذا تيسير السيرة ؟
لما كانت السيرة النبوية أدبا إنسانيا عريقا، تقدم لنا نموذج الكمال البشري؛ لأنها تصور حياة أطهر من مشى على الأرض، وخير خلق الله جميعا، اصطفاه ربه وأثنى على أخلاقه. ومصادرها القرآن الكريم، والسنة الصحيحة، والأخبار الموثقة، وكل ما جاء فيها حق وصدق.
ولما كانت منهجا مثاليا متكاملا للحياة يمد المسلم بما يحتاج إليه في دنياه وآخرته من التوجيهات الرشيدة، والمواعظ النافعة في كل زمان، وحين .
ولما كانت أفعال الرسول أمثل تطبيق عملي وواقعي لأحكام القرآن الكريم.
ولما كان الهدف من دراسة السيرة النبوية والتفقه فيها :”أن يتصور المسلم الحقيقة الإسلامية في مجموعها متجسدة في حياته ، بعد أن فهمها مبادئ وقواعد وأحكاما مجردة في الذهن .
من تلك المعطيات، وغيرها، تولدت الحاجة إلى التوسل بالأدب وفنونه، لتقريب السيرة النبوية من اهتمام جماهير المتلقين على اختلاف شرائحهم العمرية والاجتماعية، وخاصة الناشئة، وتمكينهم من الاطلاع على جوانب من مضامينها، لجعلها مكونا أصيلا في ثقافتهم، ومرجعا فاعلا في تكوينهم، ولترسيخها في الذاكرة الفردية والجماعية للأمة، واستلهامها للارتقاء بمجتمعاتهم إلى مدارج الهداية والعزة والكرامة والمجد.
2 – لماذا كتابة السيرة النبوية للأطفال أولوية ؟
هي كذلك لسببين:
أولهما: كون صغار اليوم كبار الغد.
وثانيهما: أنها تلبي حاجات الطفل الأساس: العقدية والدعوية والنفسية والتربوية والاجتماعية والوقائية والثقافية.
3 – لماذا القصة ؟
تتميز النفس البشرية بالنفور والعناد لما تؤمر به، أو تنهى عنه، أو تنصح به بطريقة مباشرة، إذا كان ذلك يخالف طبعها، وقد أثبتت القصة في الميدان التربوي نجاعتها وفاعليتها في التبليغ، إلا أن توظيفها في مجالات إسلامية اعترضته عدة إشكالات عقدية وفنية ونقدية.
< أولا : إشكالية شرعية توظيف القصة في مجالات دينية، وضمان عدم صيرورتها غاية: إذا كانت القصة في صورتها التراثية الإخبارية والحكائية لم تطرح حين اتخذت قديما وسائل لرواية السيرة النبوية وتفسيرها إلا إشكالا أخلاقيا لخصه الإمام أحمد بن حنبل بقوله: “ما أحـوج الناس إلى قـاص صدوق” فإن القصة الحديثة ذات المرجعية الفنية والمقصدية الغربية، قد أثارت أسئلة حول شرعية توظيفها في المجال الإسلامي. وقد أخرج أحمد الشرباصي هذا الإشكال من إطار شرعية الفن، إلى فضاء متسامح شرائح المجتمع متسعا تتعايش فيه الغاية الشريفة، مع الوسيلة البليغة، فقال: “على عالم الدين أن يتفنن، وعلى رجل الفن أن يتدين . < ثانيا: إشكالية بناء الحكي الفني على أساس الحكي الإخباري : يتمثل هذا الإشكال في مستويين : أ- في صعوبة تطويع الخبر الوقفي ليسعف بنية القصة الفنية المستوردة من بيئة ثقافية تحترم حرية التعبير أكثر مما تحترم القيم. ب- إن قدسية القصص والأخبار الدينية ووقفيتها، لا تسمح للكاتب الذي يفكر في توظيفها في القصة، بحيز كبير من حرية التصرف في ما يقتضيه تنزيلها الإبداعي من زيادة وحذف. < ثالثا : إشكالية اتهام الإبداع الأدبي الإسلامي بالضعف الفني بسبب حمولته القيمية : إن جريرة قولة الأصمعي الشهيرة في شعر حسان الإسلامي، قد تكون، في عصرنا، طالت أيضا القصة الإسلامية التي أساسها قيمي، فاتهمت لذلك بالوعظ والضعف، وكأن المضمون لا ينبغي أن يكون أخلاقيا، وأن الجمال لا يمكن أن يتجلى إلا في الشكل. 4 – ماذا يقدم للطفل من السيرة النبوية، وما منهج التعامل معها ؟ السيرة النبوية كلها قابلة لأن توضع بين يدي الطفل في أسلوب قصصي شائق وجذاب، إذا قصد من ذلك أن تكون شيئا ينمي الإيمان، ويزكي الخلق، ويلهب الكفاح، ويغري باعتناق الحق والوفاء له، ويضم ثروة طائلة من الأمثلة الرائعة لهذا كله. وإذا روعيت في خطابها مستويات الأطفال العقلية والعمرية، وتلبية حاجاتهم المختلفة. أما منهج التعامل مع السيرة النبوية فقد اقترحنا في شأنه جملة من التوصيات لا يتسع المجال لذكرها، فليرجع إليها في النص الكامل للورقة العلمية. 5 – كيف تكتب السيرة قصة ؟ - إن كتابة السيرة النبوية في القصة الموجهة للأطفال تختلف عن كتابتها للكبار في الأهداف والمقاصد، والأساليب، واللغة، وطرائق المعالجة، إلا أنها من الناحية الفنية لا تختلف عن الكتابة الأدبية للطفل من حيث قيامها على أسس نفسية وتربوية واجتماعية وثقافية ووطنية وقومية وإنسانية متداخلة . إن الكتابات المتجددة للسيرة النبوية هي بمثابة تذكير للأمة الإسلامية بالأسس التي انبنى عليها وجودها، وبالمبادئ التي كانت ركائز قوتها. وإن اعتماد الأسلوب القصصي في استلهام السيرة لا اعتراض عليه؛ لأن القصة جنس أدبي لا يخلو منها أدب أي شعب من شعوب الأرض، ورحم الله رائد القصة والرواية الإسلامية د.نجيب الكيلاني الذي قال:”من حسن الحظ أن الإسلام لم يحدد (شكلا) فنيا معينا يلزمنا به، بحيث ندور في إطاره، فلا نتعدى رسومه، وإنما حدد الإسلام (المضمون)، أو الفكر الذي يتناوله الفنان في الشكل الذي يخ الدكتور أحـمـد زيـــادي أستاذ بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين – الدار البيضاء

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>