السيرة النبوية في كتب الحرمين؛ القيمة العلمية والإضافة المنهجية


أهمية البحث وإشكالاته:
إن البحث في القيمة العلمية لروايات السيرة النبوية والإضافة المنهجية للمؤلفين في كتب الحرمين الأوائل من شأنه أن يفتح آفاق الاشتغال على مصادر أخرى للسيرة النبوية لم تقدر حق قدرها، ولم تدرس مناهجها بالشكل الكافي، لا سيما وهي تجمع بين منهج المحدثين ومنهج المؤرخين في إيراد وتصنيف أحداث السيرة النبوية، والتصنيف الموضوعي للمواقف والأحداث.
وتضع كتب الحرمين، وهي من المصادر الأصلية للسيرة النبوية، بين يدي الباحث المستمد من مادتها الاختيار والمقارنة بين طرق روايات أخبارها، وتكامل صورة أحداثها والظن الغالب في صحتها بالاعتبار ببعضها البعض، وذلك من شأنه تقوية بعض الأخبار التي حكم عليها بالضعف والوهن، لترقى إلى مصاف الروايات والأخبار التي تصح لبناء الأحكام في مختلف الأغراض العلمية، واستخلاص القواعد الكلية الموجهة للتخصصات المتعددة.
والأخبار الواردة في كتب البلدان التي تشتمل على مادة علمية موثقة، ومنهج مؤلفيها النقل بإسناد والاعتبار بطرق الأخبار، تزخر بمادة غنية تحمل بعض تفاصيل الأحداث وزيادات في المتون من شأنها حل مشكلات متون أخرى، وردت بألفاظ وعبارات مختلفة، كما أنها قد تسد محل الحاجة ببعض جزئيات الوقائع التي غابت في الروايات المبثوثة في مصادر السيرة النبوية الأخرى المتداولة. كما أن المناهج الأصيلة لمؤلفيها تفتح الآفاق لاستنباط فقه السيرة النبوية وربطها بواقع الأمة وإشكالاتها في كل مناحي الحياة.
وينطلق البحث من إشكال واضح مفاده هل تحمل كتب التأريخ للحرمين إضافة علمية ومنهجية جعلت المحدثين والمؤرخين الأوائل يفردونها بالتأليف والتصنيف؟ وما ملامح الجدّة والتميز الذي حملته مناهج التأليف في هذا الفن؟ وكيف يمكن الإفادة منها في حل مشكلات الواقع استمداداً من السيرة النبوية العطرة؟
ولتحقيق ذلك ينتظم هذا البحث في ثلاثة محاور أساس جاءت كالآتي:
دواعي التأليف في مآثر الحرمين الشريفين والتأريخ لهما في القرون الأولى.
القيمة العلمية لروايات السيرة النبوية في كتب البلدان من حيث الإسناد والمتن.
منهج مؤرخي الحرمين الأوائل في جمع أخبار السيرة النبوية وتصنيفها.
أهم خلاصات البحث وتوصياته
< تحرَّى مؤرخو الحرمين الدقة في الرواية وبذلوا وسعهم في الرواية عن الثقات، وفي المقابل فقد ابتعدوا عن روايات المتروكين والضعفاء، وهذا ما يزيدنا وثوقاً بمروياتهم.
< كتب الحرمين مصادر أصلية موثقة للسيرة النبوية، غير أنها مهملة في الغالب من قبل الدارسين والباحثين في السيرة النبوية المستمدين من مادتها.
< حفظت كتب الحرمين مادة مهمة من السيرة النبوية تثري وتكمل ما جمعته كتب السنة المشرفة، ما من شأنه توسيع مادة البحث والاستمداد.
< إن كتب الحرمين تسهم في حل عدد من القضايا العلمية المشكلة، بتقديم روايات إضافية لا توجد في غيرها من كتب السنة، أو بطرق أخرى تقوي بقية الأخبار أو بإضافات في المتون، وتحدد عددا من المواطن والمشاهد بدقة تغيب في غيرها أو وقع الوهم فيها.
< إن الحس الفقهي للمؤرخ أساس لإعمال الأحداث وتحريك مادة السيرة النبوية لجعلها حية تنبعث لتنير كل مناحي الحياة.
< يجب أن توجه جهود الباحثين في السيرة النبوية وفقهها إلى نصوص كتب تاريخ البلدان للإفادة منها والاستمداد من مادتها رواية ودراية.
< يجب أن توجه جهود الباحثين إلى تحقيق التراث المخطوط من كتب الحرمين، وجمع مادة السيرة النبوية المبثوثة في هذه المصادر

الأستاذ طارق الفاطمي (أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي أكادير)

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>