إجماع على أهمية التجربة المصرفية الإسلامية وضرورة الاستفادة منها في التنمية
شهد قصر المؤتمرات بفاس خلال يومي 12 و13 نونبر الجاري مؤتمرا دوليا في موضوع: «المصارف الإسلامية: الأسس، التجربة والآفاق» نظمها كل من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وشعبة العلوم الاقتصادية والتدبير ومختبر البحث في التدبير والميزانية والاقتصاد الاجتماعي، والبنك الإسلامية للتنمية وجامعة سيدي محمد ابن عبد الله بشراكة مع دار الصفاء ومعهد المالية الإسلامية.
وقد جاء المؤتمر في سياقات متعددة منها:
- سياق ما يعرفه العالم من أزمة مالية عالمية خانقة عصفت باقتصاديات كثير من البلدان الكبرى والمؤسسات المالية الدولية.
- سياق النهضة الملحوظة للاقتصاد الإسلامي ونجاح التجربة المصرفية الإسلامية في معالجة الأزمة العالمية واستناد كثير من الدول الغربية إلى الخبرة الإسلامية في مجال الاقتصاد.
- سياق محلي مغربي، حيث أصبح المغرب مقبلا في المستقبل القريب على احتضان العمل المصرفي الإسلامي والمعاملات البديلة.
أمام هذه الحيثيات جاء انعقاد هذا المؤتمر في إطار مزيد من توسيع النقاش العلمي والاقتصادي في مدارسة التجربة المصرفية الإسلامية من حيث أسسها والمبادئ التي تقوم عليها، ومن حيث الوقوف على مدارسة التجربة الإسلامية في مجال التدبير المالي والاقتصادي لتحديد مواطن النجاح ومواطن القصور والنقص، واستشراف المستقبل على ضوء ذلك.
وقد حددت الندوة محاور وموضوعات بحث عالجت قضايا في مجال أسس ومبادئ الصيرفة الإسلامية وضوابطهاالأخلاقية والدينية، والإطار القانوني للبنوك الإسلامية ومشكلات تدبير المصرفية الإسلامية ومنتجاتها والتعاملات البديلة والتشاركية، ودراسات مقارنة، مع الوقوف عند مسألة الفرص العملية للاقتصاد الإسلامي وبنوكه، وآفاق العمل المصرفي الإسلامي.
وقد أكدت كلمات الجلسة الافتتاحية على أهمية انعقاد الندوة من حيث موضوعها ومحاورها ومن حيث توقيتها ومن حيث الفوائد والمقترحات العملية المنتظر الخروج بها، كما ركزت كلمات المتدخلين في الجلسة الافتتاحية على ضرورة التركيز على المشكلات الكبرى واقتراح الحلول والتدابير العملية اللازمة للتطوير والتأهيل والمواكبة.
وهكذا فقد بين الدكتور عبد العزيز الصقلي عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في كلمته أن هذا المؤتمر يدخل في سلسلة الأنشطة العلمية التي دأبت كلية العلوم القانونية والاقتصادية على تنظيمها في المجالين القانوني والاقتصادي. كما يشكل منبرا للتواصل والنقاش بين مختلف الباحثين والخبراء في المجال المالي والمصرفي..
ويعتبر قطاع البنوك أو المصارف من أهم القطاعات الاقتصادية لما يلعبه من دور هام في الحركة الاقتصادية والتجارية الوطنية والعالمية .
وقد أثبتت غالبية الدراسات التي تناولت أسباب الأزمات الاقتصادية أن أزمات البنوك كانت القاسم المشترك في مختلف الدول النامية أو المتقدمة منها، وتعتبر المخاطر الناتجة عن الائتمان وسوء الإدارة من أهم الأسباب المؤدية إلى تعثر البنوك وحدوث الأزمات وخاصة الأزمة المالية لسنة 2008 والتي عصفت ببعض الأسواق العالمية الكبرى.
وفي ظل هذه الانهيارات التي تشهدها المصارف العالمية أضحى هناك غموض في مستقبل الاقتصاد العالمي ولاح في الأفق الحديث عن آثار الأزمة في الدول الأخرى التي لا تعتبر طرفا فيها ونخص بالذكر الدول الراعية لتجربة المصارف الإسلامية.
لقد تمكنت المصارف الإسلامية من إثبات جدارتها في الصمود في أوج الأزمة المالية العالمية في وقت تهاوت فيه أكبر وأعرق المصارف المالية في ظرف وجيز وعلى رأسها مثلا بنك ليمان براذر أكبر الأبناك الأمريكية، ولعل ذلك راجع بالأساس إلى الأسس التي ينبني عليها النظام المصرفي. وهو ما دفع بالمجتمع الدولي للاعتراف بها وفتح المجال لعملها بل والإشادة الدولية بها والدعوة إلى تطبيق نموذج التمويل الإسلامي ولو جزئيا كمخرج من الأزمة الاقتصادية العالمية، كما ذهب آخرون إلى المناداة بضم النظام المصرفي الإسلامي إلى النظام المصرفي التقليدي المعمول به، وقد أكدت أحدث الدراسات في المجال الاقتصادي أن صناعة الخدمات المالية الإسلامية خلال الثلاثين عاما الماضية أثبتت أنها صناعة مالية راسخة ومرشحة لتصبح من القوى الاقتصادية العالمية.
أما الدكتور لحسن الداودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر فقد استهل كلمته بالتنويه بجهود كلية العلوم القانونية والاقتصادية بفاس في جهودها السباقة إلى فتح النقاش في المغرب مبكرا في موضوع الاقتصاد والمالية الإسلامية بالندوة الدولية التي نظمتها سنة 1989 حول «اندماج اقتصاديات العالم الإسلامي» وأن هذا النقاش عن الاقتصاد الإسلامي كان في الستينات وتطور في الثمانينات وتأثر بطبيعة الصراع الدولي وهيمنة المنظومتين الليبرالية والماركسية اللتين كانتا مهيمنتين على العلاقات الدولية والاقتصادية.
ومن جهة أخرى أبرز مفارقة أن المغرب كان سباقاً قبل غيره من البلدان الإسلامية إلى فتح النقاش العلمي في الاقتصاد الإسلامي من خلال جهود أساتذة كلية الحقوق، وقال بأن مدينة فاس كانت قبلة للاقتصاد الإسلامي قبل المملكة العربية السعودية، غير أنه تأخر في العمل بالمصرفية الإسلامية كثيرا، كما بين أنه بعد انهيار المنظومة الماركسية أصبح بالإمكان الانفتاح على التجربة الإسلامية مشرقا ومغربا، ثم انتقل إلى الحديث عن مسوغات وجود الاقتصاد الإسلامي وسبب تسميته، مميزا بين المنظومة الاقتصادية الليبرالية والماركسية والمنظومة الإسلامية بكون المنظومة الوضعية منظومة وضعية بشرية مذهبية ذاتية متأثرة بشروطها الذاتية والمذهبية. وكل واحدة منهما تطرفت في اعتبار الفرد أو الدولة، أما المنظومة الإسلامية فهي ذات أصول إلهية ربانية ووازنت بين حقوق الفرد والمجتمع. لذلك فهي منظومة مختلفة عن المنظومتين الوضعيتين، ثم إن الاقتصاد الإسلامي يجمع بين العلم الاقتصادي وبين الفقه الإسلامي، وينظر فيما هو حلال فيعمل به، وفيما هو حرام فيتجنبه، إنه يعمل في إطار المباح، فضلا عن أن البنوك التقليدية تعمل بصيغة واحدة هي صيغة القرض، في حين أن المنظومة الإسلامية تعمل وفق صيغ متعددة تراعى فيها حقوق الطرفين.
كما أوضح أن المغرب يتوقع أن يستفيد كثيرا من التجربة المصرفية الإسلامية وأن الاقتصاد المغربي سيعرف انطلاقة قوية، وستعطيه التعاملات البديلة دفعة قوية نحو تحقيق تنمية وطنية شاملة وسريعة.
أما الدكتور محمد النميلي مدير مختبر البحث في التدبير والميزانية والاقتصاد الاجتماعي أحد الشركاء المنظمين للمؤتمر فقد ركز في كلمته على الأهداف المتوخاة من الملتقى، وحصرها في :
< تقديم الأسس الأخلاقية والنظرية للصيرفة الإسلامية التي أصبحت من ركائز العلوم الاقتصادية الحديثة.
< قراءة في تجربة هذه الصرافة بما عرفته هذه التجارب من نجاحات وتعثرات.
< استشراف آفاق هذه الصيرفة خصوصا في الواقع المغربي، الذي يمكن القول في حقه أنه عرف تأخرا كبيرا في إدماج منتجات المصرفية الإسلامية والتعاملات البديلة.
ثم ذكر «أن القراءة الأولية للأوراق المقدمة في أوراش هذه التظاهرة تمكننا من القول بأننا قد كسبنا الرهان، ذلك أن الأوراق المقدمة وعددها 46 ورقة، قد شملت جل مجالات البحث في علوم المصارف الإسلامية بداية من التأسيس النظري مرورا بقراءة التجارب في التسيير والحكامة وكذا دراسة الحالات ووصولا إلى استشراف آفاق إدماج المالية الإسلامية في الواقع المغربي»
هذا وقد استمرت أشغال المؤتمر طيلة يومين، حضرها مهتمون كثر من الباحثين والأستاذة وموظفو المؤسسات البنكية ورجال الأعمال والطلبة. وقد انتهت الندوة ببيان ختامي شكل خلاصة تطلعات المؤتمرين، ستعود الجريدة لاحقا لإنجاز قراءة في مضامينه وأبعاده.
إعداد : د. الطيب الوزاني