لا تَـأْسَفَـنَّ عَلَـى الدُّنْيَــا


هذه القصيدة من أروع قصائد الزهد، وقد نُسبت أبياتٌ منها لأكثر من شاعر، من بينهم علي بن أبي طالب . ووردت بترتيب آخر وزيادات متفاوتة. ولقد حقق أحد الدارسين المحدثين أنها للكاتب والشاعر العباسي إبراهيم بن العباس الصولي (176 – 243 هـ). وواضح أن مضمونها يتناسب وموضوعات الزهد في العصر العباسي.

لا تَأْسَفَنَّ عَلَى الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَمَنْ يَكُنْ هَمُّهُ الدُّنْيَا لِيَجْمَعَهَا
لا تَشْبَعُ النَّفْسُ مِنْ دُنْيَا تُجَمِّعُهَا
اعمل لِدَارِ البَقَا رِضْوَانُ خَازنُهَا
أَرْضٌ لَهَا ذَهَبٌ والمِسْكُ طِيْنَتُهَا
أَنْهَارُهَا لَبَنٌ محْضٌ وَمِنْ عَسَلٍ
وَالطَّيْرُ تَجْرِي عَلَى الأَغْصَانِ عَاكِفَةً
مَنْ يَشْتَرِي قُبَّةً في العَدْنِ عَالِيةً
دَلالُهَا المُصْطَفَى واللهُ بَائِعُهَا
مَنْ يَشْتَرِيْ الدَّارَ في الفِرْدَوْسِ يَعْمُرَهَا
أَو سَدِّ جَوْعَةِ مِسْكِينٍ بِشِبْعَتِهِ
النَّفْسُ تَطْمَعُ في الدُّنْيَا وَقَدْ عَلِمَتْ
وَاللهِ لَو قَنِعَتْ نَفْسِي بِمَا رُزِقَتْ
وَاللهِ واللهِ، أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ
لَوْ أَنْ في صَخْرَةٍ صَمَّا مُلَمْلَمَةٍ
رِزْقًا لِعَبْدٍ بَرَاهَا اللهُ لانْفَلَقَتْ
أَوْ كَانَ فَوْقَ طِباقِ السَّبْعِ مَسْلَكُهَا
حَتَّى يَنَال الذِي في اللَّوحِ خُطَّ لَهُ
أَمْوَالُنَا لِذَوِي المِيرَاثِ نَجْمَعُهَا
لا دَارَ لِلْمَرْءِ بَعْدَ المَوتِ يَسْكُنُهَا
فَمَنْ بَنَاهَا بِخَيْر طَابَ مَسْكَنُهُ
وَالنَّاسُ كَالحَبِّ والدُّنْيَا رَحَى نَصُبِتْ
فَلا الإِقَامَةُ تُنْجِي النَّفْسَ مِنْ تَلَفٍ
ولِلنُّفُوسِ وَإَن كَانَتْ عَلَى وَجَلٍ
فَالمَرْء يَبْسُطُهَا والدَّهْرُ يَقْبِضُهَا
وَكُلُّ نَفْسٍ لَهَا زَوْرٌ يُصَبِّحُهَّا
تِلْكَ المَنَازِلُ في الآفَاقِ خَاوِيَةٌ
كَمْ مِن عَزيزٍ سَيَلْقَى بَعد عزته
وَلِلْمَنَايَا تُرَبِّي كُلُّ مُرضِعَةٍ
لا تَبْرَحُ النَّفْسُ تَنْعَى وهي سَالمةٌ
وَلَنْ تَزَالَ طِوَالَ الدَّهْرِ ظَاعِنَةً
أَيْنَ المُلوكُ الَّتِي عَنْ حَظِّهَا غَفَلَتْ
أَفْنَى القُرونَ وَأَفْنَى كُلَّ ذِي عُمُرٍ
فَالمَوتُ أَحْدَقَ بِالدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا
لَوْ أَنَّهَا عَقَلَتَ مَاذَا يُرَادُ بِهَا
تَجْني الثَمَارَ غَدًا في دَارِ مَكْرُمَةٍ
فِيهَا نَعِيْمٌ مُقِيمٌ دَائِمًا أَبَدًا
الأُذْنُ وَالعَيْنُ لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تَرَهُ
وَهَذِهِ الدَّارُ لا تَغْرُرْكَ زَهْرَتُهَا
فَارْبَأ بنَفْسِكَ لا يَخْدَعكَ لامِعُهَا
خَدَّاعَةٌ لَمْ تَدُمْ يَوْمًا عَلَى أَحَدٍ
فَانْظُرْ وَفَكِّرْ فَكَمْ غَرَّتْ ذَوي طَيْشِ
اعْتَزَّ قَارُون في دُنْيَاهُ مِنْ سَفَهٍ
يَبِيتُ لَيْلَتَهُ سَهْرَانَ مُنْشَغِلاً
وَفي النَّهَارِ لَقَدْ كَانَتْ مُصِيبَتُهُ
فَمَا اسْتَقَامَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَلا قَبِلتْ
ثُمَّ الصَّلاةُ عَلَى المـَعْصُومِ سَيِّدِنَا

*************

فَالمـَوْتُ لا شَكَّ يُفْنِيْنَا وَيُفْنِيهَا
فَسَوْفَ يَوْمًا عَلَى رَغْمٍ يُخَلِّيهَا
وَبُلَغَةٌ مِنْ قِوَامِ العِيْشِ تَكْفِيهَا
الجَارُ أحْمدُ والرَّحمنُ بَانِيهَا
وَالزَّعْفَرانُ حَشِيْشٌ نَابِتٌ فِيهَا
والخَمْرُ يَجْرِي رَحيقًا في مَجَارِيهَا
تُسَبِّحُ اللهَ جَهْرًا في مَغَانِيهَا
في ظلِّ طُوبى رَفِيعَاتٍ مَبَانِيهَا
وَجَبْرَئِيل يُنَادِي في نَوَاحِيهَا
بِرَكْعَةٍ في ظَلامِ اللَّيْلِ يُخْفِيهَا
في يَوْم مَسْغَبَةٍ عَمَّ الغَلا فِيهَا
أَنَّ السَّلامَةَ مِنْهَا تَرْكُ مَا فِيهَا
مِنَ المَعِيشَةِ إِلا كَانَ يَكْفِيهَا
ثَلاثَةٌ عَنْ يَمِينٍ بَعْدَ ثَانِيهَا
في البَحْر رَاسِيَة، مِلْسٌ نَوَاحِيهَا
حَتَّى تُؤدِي إِلَيْهِ كُلُّ مَا فِيهَا
لَسَهَّلَ اللهُ في المَرْقَى مَرَاقِيهَا
فَإِنْ أَتَتْهُ وإِلا سَوْفَ يَأْتِيهَا
وَدَارُنا لِخَرَاِب البُومِ نَبْنِيهَا
إِلا التي كانَ قَبْلَ المَوْتِ يَبْنِيهَا
وَمَنْ بَنَاهَا بِشرٍّ خَابَ بِانِيهَا
لِلْعَالمِينَ وَكفُّ المَوْتِ يُلْهِيهَا
وَلا الفِرَارُ مِنَ الأَحْدَاثِ يُنجِيهَا
مِن المنية آمَالٌ تُقَوِّيهَا
وَالبِشْرُ يَنْشُرهَا وَالـمَوْتُ يَطْوِيهَا
مِنَ المَنِيَّةِ يَوْمًا أَوْ يُمَسِّيهَا
أَضْحَتْ خَرَابًا وَذَاقَ المَوْتَ بَانِيهَا
ذُلاًّ، وضَاحِكَةٍ يَوْمًا سَيُبْكِيهَا
وَلِلْحِسَاب بَرَى الأَرْواحَ بارِيهَا
حَتَّى يَقُومَ بِنَادِ القَومِ نَاعِيهَا
حَتَّى تُقِيمَ بِوَادٍ غَيْرِ وَادِيهَا
حَتَّى سَقَاهَا بِكَأسِ المَوْتِ سَاقِيهَا
كَذَلِكَ المَوتُ يُفْنِي كُلَّ مَا فِيهَا
وَالنَّاسُ في غَفْلَةٍ عَنْ كُلَّ مَا فِيهَا
مَا طَابَ عَيْشٌ لَهَا يَوْمًا وَيُلْهِيهَا
لا مَنَّ فِيهَا وَلا التَّكْدِيرُ يَأْتِيهَا
بِلا انْقِطَاعٍ وَلا مَن يُدَانِيهَا
وَلَمْ يَدْر في قُلُوبِ الخَلْقِ مَا فِيهَا
فَعَنْ قَرِيبٍ تَرَى مُعْجِبكَ ذَاوِيهَا
مِنَ الزَّخَارِفِ وَاحْذَرْ مِنْ دَوَاهِيهَا
وَلا اسْتَقَرَّتْ عَلَى حَالٍ لَيَالِيهَا
وَكَمْ أَصَابَتْ بِسَهْم المَوْتِ أَهْلِيهَا
وَكَانَ مِنْ خَمْرِهَا يَا قَوْمُ ذَاتِيهَا
في أَمْرِ أَمْوَالِهِ في الهَمِّ يَفْدِيهَا
تَحُزُّ في قَلْبِه حَزًّا فَيُخْفِيهَا
مِنْهُ الودَادَ وَلَمْ تَرْحَمْ مُحِـبِّيهَا
أَزْكَى البَرِّيةِ دَانِيهَا وَقَاصِيهَا