شهت رحاب مدرج محمد يسف بكلية الشريعة بفاس يوم الجمعة 23 رجب 1435 هـ الموافق 23 ماي 2014 لقاء علميا في موضوع مشكلات المصرفية الإسلامية الذي نظمته كلية الشريع بشراكة مع مؤسسة المعالي للاستثمارات المالية الإسلامية (متخصصة في التمويل الإسلامي والأعمال المصرفية، وأسواق المال والتأمين التكافلي، دبي، الإمارات العربية المتحدة) وتنسيق مع ماستر أحكام العقار في الفقه المالكي والقانون المغربي. وهذا اللقاء العلمي يدخل في إطار برنامج استكمال التكوين ودعم الثقافة الذي دأبت الكلية على تنظيمه، وقد ضم اللقاء الذي حضره جمهور غفير من المهتمين والمتتبعين من الطلبة والأساتذة نخبة من الشخصيات الوطنية والدولية المتخصصة في مجال الاقتصاد الإسلامي، وقد أدار اللقاء العلمي السيد الدكتور حسن الزاهر عميد الكلية الذي بين في كلمته الترحيبية أهمية هذا اللقاء العلمي من حيثيات عدة كونه أولا يأتي في إطار سلسة برنامج التكوين وفي إطار مواكبة الكلية للمستجدات القانونية في بلادنا وفي إطار أيضا إسهام الكلية في النقاش العلمي والقانوني الدائر في بلادنا حول كثير من القضايا خاصة مجال الصيرفة الإسلامية التي أخذت تشق طريقها إلى المؤسسة التشريعية ببلادنا، كما بين أهمية الموضوع في كونه يسهم في إبراز أهم المشكلات التي تعترض البنوك الإسلامية وأنماط التعاملات البديلة التي تقترحها خاصة أنها أثبتت نجاعتها في الأزمة الاقتصادية العالمية التي دفعت كثيرا من الدول الأوربية إلى الانفتاح عليها والاستفادة منها لذلك بدأ التطلع إلى إرساء نظام بنكي يضمن حقوق جميع الأطراف حتى يتم تجاوز الأزمات التي وقعت فيها البنوك التقليدية ، أما الدكتور عبد السلام بلاجي(أستاذ القانون الدستوري والاقتصاد الإسلامي ورئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي) فعرف بالتجربة المغربية في الانفتاح على البنوك الإسلامية وأهم المراحل التي مرت بها إجراءات هذا الانفتاح خاصة إنجاز مراجعات جذرية للنصوص القانونية ابتداء من 1995 و2006، والشروع بالعمل بالتعاملات البديلة في سنة 2008، كما بين أن التجربة المغربية رغم أنها جاءت متأخرة إلا أنها ستستفيد من التجربة الإسلامية التي انطلقت في بلدان أخرى منذ أكثر من أربعين سنة.
أما كلمة الدكتور عبد السلام الزياني (منسق ماستر أحكام العقار في الفقه المالكي والقانون المغربي) فبين من خلالها أن الاقتصاد الإسلامي أخذ يعرف اهتماما متزايدا من قبل الباحثين والاقتصاديين ورجال المال والأعمال نظرا لما أثبته من نجاعة وفعالية، كما بين الجهود الحثيثة التي يبذلها العلماء والمتخصصون في المعاملات المالية الإسلامية لمزيد من التأصيل والمواكبة، واعتبر فتح البنوك التشاركية في المغرب طموحا لكثير من المغاربة طال انتظاره مؤكدا أنها ستسهم في حل كثير من المشكلات التي عجزت عنها البنوك التقليدية الذي ظلت ردحا من الزمن مهيمنة على الحقل الاقتصادي، وتعجب من تأخر كثير من البلدان الإسلامية في الانفتاح على التجربة البنكية الإسلامية إلا بعد انفتاح الغرب عليها وتحقيقها نجاحا هناك !! ودعا إلى إعطاء الفرصة لهذه الأبناك قائلا :» فلنعط الفرصة لهذه الأبناك لتدخل إلى ميدان المنافسة وبعد ذلك فالبقاء للأقوى والأصلح وبعد ذلك فالذي يثبت جدارته وصلاحيته في التنمية فسيستمر ويبقى»، ومن جهة أخرى بين أهم أسباب وعوامل نجاح التجربة المصرفية الإسلامية التي ترجع أساسا إلى القيم الخلقية التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي خاصة المعادلة بين الروحية والمادية في التنمية، حيث إن الأبناك التقليدية يطغى عليها هاجس الربح المادي ولو على حساب المواطن. في حين أن الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى التنمية والربح المشترك بين الفاعلين والمواطنين جميعا بقصد صيانة الكرامة الإنسانية والإسهام في التنمية العادلة والمتوازنة.
أما الدكتور تقي الدين العثماني (نائب رئيس دار العلم بكراتشي ونائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي بجدة)، فبين في مداخلته وبشكل إجمالي أهم مشكلات الاقتصاد الإسلامي وأرجعها إلى القيود التي تكبل حركة البنوك الإسلامي خارجيا داخليا، وهو وقوف اللوبيات الاقتصادية التي تستفيد من كل المدخرات حيث أفاد أن نسبة 0.01 من مجموع السكان في باكستان هي التي تستفيد من المدخرات في حين أن عامة الشعب لا تستفيد. وأن نسبة الفائدة التي يحصلها المواطن العادي لا تساوي شيئا أمام أرباح الاقتصاديين الكبار. وبالتالي فإن البنك التقليدي المؤسس على الربا يساعد على إغناء الأغنياء وإفقار الفقراء. لذلك فإن المستفيدين الكبار يجدون في الأبناك التقليدية الفرص الحقيقية للاغتناء، ومن بين المشكلات التي نبه إليها المحاضر أن البنوك الإسلامية تعاني من مشكلة الحاجة الشديدة لتكوين علماء متخصصين يجمعون بين العلوم الشرعية والعلوم العصرية حتى تتمكن التجربة الاقتصادية الإسلامية من تجاوز مشكلاتها النظرية والعملية.
ومن جانب آخر أكد الدكتور عبد الستار أبو غدة (وهو مستشار اقتصادي شرعي للعديد من البنوك الإسلامية وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي في جدة) أن الاقتصاد الإسلامي هو نتيجة جهود الصحوة الإسلامية المعاصرة، التي تمكنت من إبراز أن البنوك الإسلامية منتج محلي ووطني أصيل وعريق ومنسجم مع الهوية الوطنية والتاريخية لبلداننا الإسلامية. وأما البنوك التقليدية فهي مجرد تقليد للغرب، وفي السياق ذاته قدم تأصيلا لأنواع التعاملات الإسلامية كالحسابات والشيكات والمضاربة وعقود المعاملات الأخرى. وذكر تطبيقات لها في تاريخ المسلمين، ومن جهة أخرى بين قيمتها في التنمية الاقتصادية وفي تحقيق العدل الاجتماعي، كما أشار إلى أهمية المؤسسات الشرعية الداعمة للمؤسسات المالية الإسلامية خاصة المجامع الفقهية والمحاسبة تعتبر بمثابة هيئات الرقابة الشرعية والتدقيق وإن مهام هذه الهيئات كبيرة في النظر في مدى مطابقة التعاملات لقواعد الشريعة.
أما كلمة الدكتور نظام يعقوبي (عضو المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، الإمارات العربية المتحدة) فبينت أن البنوك الإسلامية وإن كانت ذات أهداف خيرية فهي أيضا ذات طبيعة تجارية تسعى إلى الربح، لكنه ربح مشترك بين كل الأطراف وربح يعود على المجتمع والوطن بكامله بالنفع، كما أكد أن البنوك الإسلامية لا تنافس البنوك التقليدية وإنما تقدم مقترحات حلول ناجعة متنوعة خلافا للبنوك الأخرى التي لا تتوفر إلا على صيغة واحدة هي صيغة القرض بفائدة منذ تأسيسها في بداية عصر النهضة ، وبدوره أكد الدكتور نظام دور الاجتهاد الفقهي الإسلامي المعاصرة في تنشيط فقه المعاملات المالية وفي إيجاد حلول شرعية كفيلة بتحقيق النجاعة والفعالية.
وأما الدكتور محمد قراط (أستاذ بكلية الشريعة ومستشار بمؤسسة المعالي) فقدم عرضا في موضوع «إسهام الفقه المالكي في حل مشكلات المصرفية الإسلامية» استعرض فيه أنواعا من المعاملات المالية في الفقه المالكي وفتوى علماء المذهب فيها بناء على أصول المذهب التي تتميز بالتعدد والتنوع والمرونة ومراعاة المصلحة والعرف والمخالف وغير ذلك من الأصول والقواعد التي يتيح توظيفها في حل كثير من مشكلات المعاملات المالية.
وفي ختام اللقاء وزعت على العلماء الوافدين هدايا تذكارية.
إعداد: د.الطيب الوزاني