إشـــــــــــراقـــــــــة – احترام الأسبقية


إن من أهم ما يتنافس فيه المتنافسون تنظيم الحياة وإبعادها عن الفوضى والتهور، فإننا اليوم عند ما نقارن أنفسنا بالأمم الغربية نرى حالنا في تخلف كبير، حيث إن الناس هناك يعيشون بعقلية تنظيمية، جعلت حياتهم غاية في الالتزام بالحقوق، والانضباط مع القوانين، أما الحال عندنا فيختلف، فجحيم الفوضى والطيش يغمر الحياة بالنكبات والمعوقات، وقد كان النبي يربي الصبيان على احترام الأولوية والأسبقية ليكونوا جيلا واعدا بحياة منظمة، يعبد المسلم ربه بأمان واطمئنان. فعن سهل بن سعد أن رسول الله أُتي بشراب؟، فشرب منه وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام : «أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟» فقال الغلام : لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتله رسول الله في يده. متفق عليه. «تَلَّه» بالتاء المثناة فوق، أي : وضعه، وهذا الغلام هو ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذا التعليم لم يكن للغلام الصغير فحسب بل كان حتى للكبار ليحترم الجميع النظام، فعن أنس أن رسول الله أُتي بلبن قد شب بماء، وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر، فشرب، ثم أعطى الأعرابي وقال : «الأيمن فالأيمن» (1) رغم أن أبا بكر هو الأفضل وسيد المسلمين بعد رسول الله ، ولهذا قال عمر كما جاء في لفظ آخر : يا رسول الله أعط أبا بكر، فأعطاه أعرابيا عن يمينه، وقال رسول الله : «الأيمن فالأيمن».
قال النووي في قول عمر : «يا رسول الله أعط أبا بكر» إنما قال له للتذكير بأبي بكر مخافة من نسيانه وإعلاما لذلك الأعرابي الذي على اليمين بجلال أبي بكر .
وفي رواية في الصحيحين جاء الأمر بالتوكيد ولفظها: «فأعطى رسول الله الأعرابي وترك أبا بكر وعمر، وقال رسول الله : «الأيمنون، الأيمنون، الأيمنون». قال أنس : فهي سنة، فهي سنة، فهي سنة.
وعن أبي هريرة عن النبي قال : «بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب «يحثي في ثوبه، فناداه ربه عز وجل: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟، قال : بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك» (رواه البخاري).
ووجه دلالة هذا الحديث لموضوع احترام النظام هو أن المسلم ينبغي أن يحترز من ظهور سوءة اختراقه للنظام، كما يحترز من ظهور عورته لأعين الأنام، إذ لا يقل خجل من ضبط متلبسا بخرق النظام عن خجل من كشفت عورته للناس. قال المهلب رحمه الله تعالى : حديث أيوب فيه دليل على إباحة التعري في الخلوة للغسل وغيره، بحيث يأمن أعين الناس.. ألا ترى أن الله عاتب أيوب على جمع الجراد ولم يعاتبه على غسله عريانا.
ذ. عبد الحميد صدوق
—————-
1 -رواه مسلم.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>