خطبة منبرية – العصمة من فتن الشبهات والشهوات


الخطبة الأولى الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد: يقول الله جل وعلا: {الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}(العنكبوت: 1- 3). إن من رحمة الله سبحانه بعباده، أنه أخبرهم بما سوف يلقونه من الفتن والابتلاءات، ودلهم على سبل الوقاية والحماية من جميع الآفات، فجاء ذلك جلياً في كتابه المبين، وفي سنة نبيه المصطفى الأمين، صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين، قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}(الملك:2). وقال تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون}(الأنبياء: 35). وعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالحصِيرِ عُودًا عُودًا…))(أخرجه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم : ((بَادِرُوا بِالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ…))(رواه مسلم). الفتن أنواع وأشكال، فالكفر فتنة والشرك والنفاق فتنة، والبدع والمحدثات فتنة، والذنوب والأموال والمناصب فتنة، والنساء للرجال فتنة، والرجال للنساء فتنة، والأولاد فتنة، والسلطان والملك فتنة، وتسلط الأعداء فتنة، والظلم والجور فتنة، والسياسة والإعلام فتنة، واللهو واللعب والغناء فتنة… ويمكن القول: إن الفتن بكل أنواعها وأشكالها تعود إلى قسمين رئيسيين: فتن الشبهات وفتن الشهوات. أما فتن الشبهات: فمنها الشرك والكفر والتشكيك في الدين، والبدع والضلالات، وفتنة الخلط بين الحق والباطل والمباح والمحرم، وكل هذه وغيرها من فتن الشبهات، وأما فتن الشهوات: وهي الغالبة في دنيا الناس، فمنها الافتتان بالمال والمناصب والجاه، والافتتان بالأولاد والأسرة، والافتتان باللعب واللهو والغناء، وغيرها كثير. وفتن الشبهات تكون طريقاً إلى الكفر برب العباد، وفتن الشهوات تكون طريقاً إلى الظلم والبغي والاعتداء على العباد. والمفتون يتقلب في الدين والرأي على غير هدى ولا بصيرة، فمرة يؤيد الحق وأهله وأخرى يؤيد الباطل وأصحابه، والمهتدي من هداه الله الله عز وجل. روى مسلم عن ْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((بَادِرُوا بِالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا)). فالحذر الحذر من الفتن فإنها تسلب الدين والإيمان، فالمفتون بالربا والمفتون بالرشوة، وشاهد الزور، والمفتون بالكذب والمفتون بالشهوات والنزوات، كل يوم يبيع جزءاً من دينه بمبلغ زهيد، والنتيجة: كان مؤمناً فصار كافراً. والواجب على المؤمن أن لا يباع ولا يشترى، فالمؤمن رقم صعب، والمؤمن ثابت مهما كانت الأحوال، لا تهزه رياح الشهوات ولا تزعزعه عواصف الشبهات. أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه عو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية عباد الله : من خلال آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الأمين يعلم العبد كيف يحمي نفسه من الفتن، وهذه بعض العواصم نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بها وأن يحفظنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، العاصم الأول: العلم : بالعلم يُرفع الجهل ويعرف العبد طريقه، بالعلم يرتفع اللُّبس عن العباد إذا اختلطت الأمور، وكثرت الشرور، والعلم الذي نقصده هو العلم بالله تعالى والعلم بدين الله جل وعلا، فهذا العلم هو الذي يقود العبد إلى بر الأمان، لكي ينجو من الفتن ويسلم في أوقات المحن. العاصم الثاني: الدعاء : إن من أبرز مظاهر التوحيد وسلامة المعتقد أن يلجأ المؤمن إلى ربه في كل أموره ويعلق قلبه به وخاصَّة عند الفتن فلا منجي ولا هادي ولا عاصم إلا الله، لا تلتفت لغيره أبداً، والزم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم : (تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن)، وعلمنا صلى الله عليه وسلم أن نتعوذ في دبر كل صلاة فنقول: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال). العاصم الثالث: تربية النفس على الإيمان بالله واليوم الآخر : فبالإيمان بالله: يحصل تعظيم الله سبحانه، وتعظيم أمره ومراقبته في السر والعلن، بالإيمان بالله تغرس في القلوب محبة الله ومرضاته ويقدمها العبد على كل ما يحب، بالإيمان بالله يتعرف على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى فيظهر أثرها على السلوك والأخلاق وتظهر قوة الإيمان بها وقت الفتن والمحن والشدائد. وبالإيمان باليوم الآخر واليقين الجازم بما أعد الله في ذلك اليوم للمحسنين وما أعد للمسيئين تحصل العصمة -بإذن الله- من المغريات والشهوات، التي هي ظل زائل. ولا يعرف حقيقة الدنيا إلا من عرف حقيقة الآخرة، يقول جل وعلا: {فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى، وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى}. نسأل الله تعالى أن يعيذنا من فتنة المحيا والممات، وأن يرزقنا الثبات، وأن يحفظنا من جميع الآفات، إنه سميع مجيب الدعوات. والحمد لله رب العالمين.

د. الوزاني برداعي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>