الـمقاومة الفلسطينية للمشــروع الصهيوني على مــدار قــرن (1897م – 2000م)


314 الـمقاومة الفلسطينية للمشــروع الصهيوني على مــدار قــرن (1897م – 2000م)

 

المرحلة الثانية (1917 – 1929) وَعْد بلفور وتَبَلْور الأطماع الصهيونية

تبدأ هذه المرحلة باحتلال القوات البريطانية للقدس وإعلان وعد بلفور، وقد جاءا متزامنيْن تقريبًا، وكانت فلسطين التي عاشت ظروف الحرب القاسية مُرْهَقَة، وكان إعلان الثورة العربية وهزيمة الجيوش العثمانية يعطي نوعًا من الأمل.

ولكن الأمور أخذت تتضح ببدء تَنَصّل الحلفاء من عهودهم، وبكشف الثورة البلشفية أسرار اتفاقية سايكس – بيكو، ومحاولة الأتراك أن يستفيدوا من الوضع. وزاد الأمر وضوحًا ببدء النشاط الصهيوني، واقتران الإعلانات الصهيونية عن المشروع الصهيوني بازدياد فعالية النشاط الصهيوني، ومن ذلك زيارة وايزمن – رئيس المنظمة الصهيونية – لفلسطين بتاريخ 9/12/1917م، ثم عودته إليها في 8/5/1918م. ورافق ذلك تدفق الهجرة ليبلغ عدد المهاجرين 20 ألفًا سنة 1919م، و33 ألفًا سنة 1925م، ومجموع المهاجرين خلال هذه المرحلة حوالي 100 ألف.

وكان شعور الفلسطينيين واضحًا، حتى إن تقارير الخبراء العسكريين والسياسيين البريطانيين عكست ذلك من اللحظات الأولى، وكان أول التقارير يقول: “إن نبأ تصريح بلفور فيما يتعلق بفلسطين، جديد على القدس، وقد أحدث قدرًا غير ضئيل من المخاوف”(1) وأشار تقرير آخر كُتِب في الأسبوع نفسه إلى توتر العلاقات بين العرب واليهود، وإلى شعور متبادل بالعداء، ويذكر التقرير أن هذا الشعور ازداد حدّة في الآونة الأخيرة “بسبب تصريح بلفور”، وإلى أن “الاحتكاك بكلمة مختصرة ليس ببعيد”(2).

أشكال المقاومة في المرحلة الثانية

أخذ النشاط العربي المضاد في فلسطين يتطور، واتخذ في هذه المرحلة الأساليب والأشكال التالية:

1 -  المؤتمرات:

عقدت القيادات والوجهاء خلال هذه المرحلة (1919 – 1929) سبعة مؤتمرات، الأول في القدس – آذار/ مارس 1919م، والثاني في يافا شباط/ فبراير 1920م، وقد مُنِع بالقوة، والثالث في حيفا آذار/ مارس 1921م، والرابع في القدس حزيران/ يونيو 1921م، والخامس في نابلس آب/ أغسطس 1922م، والسادس في يافا تشرين الأول/ أكتوبر 1925م. والسابع في القدس تموز/ يوليو 1928م.

وكان هدف هذه المؤتمرات تعبئة الشعب لمقاومة المشروع الصهيوني، والتأكيد على الاستقلال ضمن الوحدة العربية، وكان كل مؤتمر يؤكد على التمسك بالميثاق الذي ينص على استمرار الجهود الرامية “إلى استقلال بلادنا وتحقيق الوحدة العربية بجميع الوسائل المشروعة” وعدم القبول “بإقامة وطن قومي يهودي أو هجرة يهودية”(3).

2 -  المشاريع الاقتصادية:

اتجهت القيادات العربية إلى النشاطات الاقتصادية لمواجهة نشاط الحركة الصهيونية، فعقدت سنة 1923م مؤتمرًا اقتصاديًّا، وكان من قراراته مقاطعة مشروع روتنبرج (شركة كهرباء فلسطين المحدودة)، كما أنشئ سنة 1929م صندوق الأمة، وهو مشروع الحركة الوطنية لمجابهة مشكلة بيع الأراضي.

3 -  المظاهرات:

تفجرت المظاهرات في موسم النبي موسى في القدس بتاريخ 4/4/1920م، واستمرت أربعة أيام، وتحولت إلى اشتباكات سنة 1921 و1923 و1924. وظلت المظاهرات والاشتباكات تتوالى حتى انفجر الوضع سنة 1929م، وكان الصهيونيون سنة 1928م قد قاموا باحتفالات غير عادية عند حائط المَبْكَى، وجاء الرد العربي بإنشاء “جمعية حراسة المسجد الأقصى” بمبادرة من الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى – وهو مناضل بارز – وانتشرت هذه الجمعية في كل أنحاء فلسطين، وأسست فروعًا لها، وعقدت مؤتمرها.

وكانت الحركة الصهيونية قد عقدت مؤتمرها في زيورخ ما بين 28/7 و11/8/1929، وأثار الخطباء قضية فلسطين وحائط المَبْكَى، فحرّك ذلك مشاعر المستوطنين الصهيونيين، وأثار غضب العرب.

وفي الوقت الذي تَشدّد فيه الصهيونيون بشأن حائط المَبْكَى رَدّ العرب على ذلك الرد الذي رأوه ملائمًا، فخرجت يوم الجمعة 16/8/1929م مظاهرة توجهت إلى حائط المَبْكَى، وأزالت الآثار التي وضعها الصهيونيون فيه، فتوتر الجو؛ ولذلك عَمَد خطباء المساجد يوم 23/8 إلى تهدئة المصلين، فما كان من بعض المصلين في حرم المسجد الأقصى إلا أن صعدوا المنبر “ودعوا الجمع إلى عدم الاهتمام بما قاله الخطباء، لأنهم غير مخلصين لقضية المسلمين”(4). وخرج الجمع المحتشد في المسجد حوالي الساعة 30.12، وبدأت الاشتباكات، وراحت الجماهير في القدس، ثم في يافا والخليل وصَفَد تُسَوِّي حساباتها مع الصهيونيين، وفعلت ما لم تفعله من قبل؛ إذ صَفَّت المستوطنة الصهيونية في الخليل، وألحقت أضرارًا كبيرة بالمستوطنين والمستوطنات.

4 -  الاتصالات الخارجية:

قامت القيادات من خلال اللجنة التنفيذية للمؤتمر الإسلامي – المسيحي التي انتخبت سنة 1921م بعدة اتصالات وزيارات عربية ودولية لمحاصرة المشروع الصهيوني، وكانت هذه القيادات تحاول أن تُحَيِّدَ حكومة بريطانيا في صراعها مع المشروع الصهيوني، ورغم وضوح السياسة البريطانية، فقد ظل الجهد مصبوبًا في هذا الاتجاه. ولما كانت الجماهير غير مقتنعة بهذه السياسة، فقد سلكت طريقها العُنْفِيّ في أحداث 1929م غير آبهة بمناشدات القيادات والوجهاء.

وانتهت هذه المرحلة والقيادة الصهيونية تجمع مشاريع وخبرات ومهاجرين، والقيادات العربية تتنازع وتفقد ثقة الجماهير بها.

ورغم الجهود التي بذلت، ورغم أنها تقدمت عنها في المرحلة السابقة، إلا أنها لم تُفْلِح في ردع المشروع الصهيوني والتخفيف من زخم هجومه.

—–

1- د. خيرية قاسمية، مرجع سابق، ص60.

2- ناجي علوش، مرجع سابق، ص117.

3- ناجي علوش ، مرجع سابق، ص96 n 97.

4- ناجي علوش، مرجع سابق، 152.

> مجلة قضايا دولية ع 261

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>