الإسلام والـمسلمون في غينيا


غينيا: وتسمى غينيا كوناكري لتمييزها عن دول اخرى بنفس الاسم، تقع في غرب افريقيا، يحدها غرباً المحيط الاطلسي، وشمالا غينيا بيساو والسنغال، وشرقاً مالي، وجنوباً سيراليون وليبيريا. عاصمتها كوناكري، يقدر السكان فيها بعشرة ملايين نسمة، واللغة الرسمية هي الفرنسية مع وجود الكثير من اللغات أو اللهجات المحلية، فلكل قبيلة لغتها الخاصة بها،

ونذكر هنا أهمها : الفولانية (قبيلة الفولاني)، والمالينكية (قبيلة المالينكي)، والسوسو (قبيلة السوسو)، والغيرسي (قبيلة الغيرسي). ودولة غينيا جمهورية علمانية، كما ينص على ذلك دستورها صراحة، رغم أن الدين الإسلامي هو السائد بين سكان غينيا، باستثناء نسبة تقدر بـ 5 % من النصاري والوثنيين. وتعتبر غينيا من الدول الغنية بالثروات المعدنية خاصة الفضة والماس، وهي من الدول المطلة على المحيط الاطلسي.

تاريخ الإسلام في غينيا :دخل الإسلام الى هذه البلاد عن طريق شعب الماندنجو العاملين بالزراعة من الشرق، بالإضافة إلى الرعاة ذوي الاصول العربية في الشمال الشرقي. أي من جهة دلتا النيجرـ واستقروا في هضبة تسمى فوتا جالو. كانت غينيا في أواسط القرن التاسع عشر إمبراطورية إسلامية قوية سقطت بمجيء الاستعمار الفرنسي، وبسقوطها انتشرت النصرانية الكاثوليكية بشكل محدود في البلاد، وتم احتلال البلاد الى غاية سنة 1958م.

ظروف نشأة الامبراطورية الاسلامية: في أواسط القرن التاسع عشر كانت دولة غينيا، إمبراطورية إسلامية تحت قيادة المجاهد ألفا ساموري توري، هذا الرجل الذي استطاع أن يقود البلاد ابتداء من سنة 1862، ويكوّن نواة دولة وسّعها الى أن وصل هضبة فوتاجالو غرباً، وهي معقل قبائل الفولانيين حاليا، ووجد تعاطفا وإقبالا من الأهالي بمختلف أطيافهم، فساعدوه على بناء دولته الناشئة، ووصل الى مدينة كان كان (kankan)، وهي معقل قبائل المالينكي الآن، وتغلب على الوثنيين، وتم تنصيبه إماما، واعتنق الكثير الإسلام، وبدأ في تطبيق الشريعة، فمنع بيع الخمور والعادات الوثنية في مملكته. ومن أجل حماية الدولة الاسلامية قام بتأسيس جيش من المشاة والفرسان، وسلّحهم بأسلحة أوروبية حديثة كان يشتريها من البريطانيين في فريتاون (عاصمة دولة السيراليون) حاليا. مقابل بيع الذهب والعاج وأسرى الحروب، وتحكي كتب التاريخ أن حرسه الشخصي كان مكوناً من 500 رجل، وكان لأخيه (مالنكي تورو ) قوة خاصة تقدر بمائتي فارس وألف راجل. ولما فكر الفرنسيون في الاستيلاء على كل المنطقة التي يجري فيها نهر النيجر، آتاهم الله بهذا البطل ألفا سوماري توري الذي كبّدهم من الخسائر في الأموال والرجال ما لم يتوقعوه، حتى إن (بيروز) peroz وهو من كبار الضباط العسكريين الفرنسيين في تلك الفترة، لقبه بـ(نابليون السودان). وقد أدار هذه الدولة الاسلامية بطريقة منضبطة، حيث استطاع في وقت وجيز من نشر الإسلام والقضاء على الوثنية، وتقوية الدولة والمحافظة عليها، وقد أكثر رحمه الله تعالى من بناء المدارس والمساجد، وإنشاء حلقات تحفيظ القرآن .

حروبه مع فرنسا: توسعت فرنسا في غرب إفريقيا لتسترد هيبتها التي فقدتها عقب هزيمتها في 1870 أمام روسيا، وأيضاً استفادت من مقررات مؤتمر برلين سنة 1302/1884 الذي سمح بتنظيم الاحتلال الأوروبي للقارة السوداء، فوضعت فرنسا نصب عينها مملكة الإمام ساموري توري، واستفادت من خيانة أحد اقرباء المجاهد ساموري توري، وكانت البداية لسقوط هذه الإمبراطورية الإسلامية، حيث فرضت على ساموري معاهدة أخرى سنة 1307/1889 تنازل فيها المجاهد ساموري عن بعض الأراضي وتعهد بعدم الإغارة على البلاد التي احتلتها فرنسا، وقبلها الشيخ المجاهد لأنه كان في حالة ضعف ولم يشأ أن يصطدم مع الفرنسيين آنذاك، كما تذكر كتب التاريخ . قبض عليه غدراً وتم نفيه الى دولة الغابون، وتوفي رحمه الله تعالى هناك في سنة 1900م. وقد عملت السلطات في غينيا في السنوات القليلة الماضية على نقل رفاته الى غينيا، والزائر الى غينيا كوناكري يلاحظ اطلاق اسم هذا البطل على مجموعة من المؤسسات المدنية والعسكرية. كما أن الكتب المدرسية حافلة بمنجزات هذا القائد البطل. وبسقوط هذه الدولة الاسلامية جاء الاحتلال الفرنسي، وبمساعيه المحمومة انتشرت النصرانية الكاثوليكية وإن كان بشكل محدود في البلاد، وخاصة في مايسمى حاليا بالمنطقة الغابوية La Guinée Forestière . بعد هذه المرحلة قاد حفيد الشيخ ساموري توري / أحمد سيكوتوري الذي تولى المقاومة وليصبح أول رئيس لغينيا التي حصلت على استقلالها سنة 1958. وقد استمر في الحكم الى غاية وفاته في سنة 1984م، وليقوم بعدها العسكر بالسيطرة على الحكم برئاسة لانسانا كونتي .
واقع الإسلام والمسلمين في غينيا: تختلف غينيا عن دول أخرى افريقية، ذلك أن المسلمين يشكلون فيها نسبة كبيرة %95، وعلى هذا فهم يشكلون الأغلبية المطلقة. لكن مع ذلك هناك الكثير من المعاناة والمشاكل. ويمكن بيان واقع الإسلام والمسلمين في غينيا من خلال النقاط التالية:
1) اهتمام الغينيين واعتزازهم بالإسلام: يظهر هذا خاصة في المناسبات الإسلامية مثل عيدي الأضحى والفطر وصلوات الجمع.
2) اهتمامهم الواضح بالمدارس العربية الإسلامية: حظيت المدارس العربية الإسلامية بالاعتراف من طرف وزارة التعليم الغينية، وعلى الرغم من الانتشار الكبير على طول البلاد وعرضها إلا أنها تبقى للأسف ضعيفة للأسباب التالية:
- غياب منهج عربي إسلامي موحد، حيث توجد عدة مناهح: مصرية ومغربية وسعودية وكويتية .
- سوء التنظيم وسوء البناء والمظهر العام باستثناء البعض طبعا. – ضعف المستوى التعليمي للمدرسين، وهذا إشكال كبير، فقد عشت مرحلة تمت فيها إقامة مدرسة لتكوين معلمي اللغة العربية، وللأسف تخرج منها فوج واحد، وتم إقبارها من قِبل أعداء اللغة العربية، وعلى هذا فغياب المدرس الكفء كان وما يزال العائق أمام المدارس العربية الإسلامية.
- انحسار الأفق: فهذه المدارس أغلبها مدارس ابتدائية، وقلما يجد الطالب الذي ينهي دراسته الابتدائية مكانا لمتابعة دراسته الإعدادية، وإن وجدت فالمرحلة الثانوية على أكثر تقدير، وأكاد أقول إنها منعدمة في معظم الأحيان، وقد عايشت هذه التجربة شخصيا عندما كنت أتكفل بمتابعة بعض الأيتام، ولم أكن أجد لهم إمكانية لمتابعة الدراسة. وبالرغم من هذه المشاكل، فقد حاول المسلمون في هذا البلد الانتظام في إطار مؤسسات وجمعيات للاعتناء بالتعليم الأصيل، والاهتمام بسير التعليم الإسلامي وتطويره في كل غينيا، ومن بين هذه المؤسسات، نذكر: – اتحاد المدارس الإسلامية، الذي تأسس سنة 1986م نتيجة بمبادرة من بعض القيادات الإسلامية، نذكر منهم الشيخ موري دوكوري أبوبكر.
- مؤسسة تضامن المدارس الإسلامية، وتعد من المؤسسات الإسلامية العاملة في المجال الإسلامي بغينيا، تأسست بتاريخ: 1414هـ، /1994، وقام بالإشراف عليها نخبة من المشايخ، وهي مؤسسة أهلية تعليمية ودعوية. وأنشأت في السنة ذاتها معهدا إسلاميا في المنطقة الغابية (جنوب البلاد) والتي توجد بها نسبة مهمة من النصارى والوثنيين، وهو معهد إسلامي ثانوي يسمى بالمعهد العلمي والبحوث الإسلامية، ويعتبر من المعاهد الإسلامية المهمة في المنطقة.
- وإلى جانبهما نجد جمعية الاتحاد الثقافي الإسلامي التي تؤدي نفس الوظائف. ولها مدرسة تسمى بسبيل النجاح، وهي عبارة عن معهد إسلامي يتكون من مرحلتين: الإعدادية والثانوية. والزائر لهذا البلد يلاحظ انتشارا كثيفا للمساجد في القرى والمدن بمختلف الأحجام، كما يلاحظ تنافسا منقطع النظير في بناء المساجد بجهد ذاتي أو عن طريق المنظمات الإسلامية والعربية العاملة في الميدان، أو من خلال الطبقة المهاجرة والتي تسعى الى تحقيق مشاريع في قراها الأصلية . في كل مسجد يلفت انتباهك، حُسن التنظيم وتوزيع المهام، فالإمام الراتب له نواب وعددهم ثلاثة وقد يكونون أكثر. ويلاحظ أنه في الغالب عند الانتهاء من بناء المسجد يهتم الأهالي أولاً بهذا الجانب التنظيمي، ولهذا لا ينتظرون من وزارة الشؤون الإسلامية أن تقوم بهذه المهمة. عند دخولك لأي مسجد، وخاصة في القرى، وإذا عرفوك بأنك عربي، فان إمام المسجد يطلب منك إمامتهم في الصلاة فأنت بالنسبة اليهم تمثل (البركة)، وهذا التعامل يوضح مدى تقديرهم واشتياقهم لإخوانهم في العقيدة. تبقى الإشارة أيضا الى أن خُطب الجمعة تُلقى باللغة العربية مع ترجمة للهجات المحلية.
3) تقدير خاص لأهل المغرب: الزائر لدولة غينيا يلاحظ تقديرا خاصا للمغاربة ولمدينة فاس بالأساس، فإن حدث والتقيت شخصا وعرف أنك من المغرب فإنه يفرح بك ويقدرك، ويزداد فرحه إن حدثته عن مدينة فاس، وإن عرف أنك درست بها فإن الفرح يصل الى أن يأخذك بالأحضان.
4) الهيئات والمنظمات الإسلامية: نذكر هنا دور لجنة مسلمي افريقيا التي تتوفر على إمكانيات كبيرة وانتشار جيد في الأقاليم الكبرى، والذي غالبا ما تكون نواته إنشاء مركز اجتماعي تربوي يضم دارا للأيتام ومدرسة ومستوصفا ومسجدا، إضافة الى منظمات عربية وإسلامية أخرى تنشط في الميدان.

ذ. عبد الرحمن فراجي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>