من أجل هذا وغيره وجبت علينا محبته


لقد أوجب الله تعالى على أهل الإيمان طاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أمرهم باتباع سُنَّته وهديه ناهيك عن توقيره ومحبته التي يجب أن تفوق محبة الآباء والأبناء والأزواج والعشيرة، والتجارة والأموال، بل أكثر من ذلك، توعد من قدم على محبته شيئا من هذه الأوتاد الثمانية: {قُلْ إِنْ كَانَ ءابَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 24.) فما سر هذا الخطاب القوي؟ وما الداعي إلى محبة رجل كان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق؟ وما الجديد الذي جاء به ليتميز عن غيره من العظماء والوجهاء والقادة الذين عايشوه والذين سيأتون بعده؟ إن رجلا يستحق هذا التقديم في المحبة والطاعة لا شك أن له مميزات تجعله شامة بين غيره من الناس… فهو خاتم المرسلين، وهو سيد الأولين والآخرين: قال صلى الله عليه وسلم معرفا بنفسه: “أنا سيد ولد آدم ولا فخر”.
1 – هكذا أراده الله عز وجل، وهكذا كان… هو نبي الرحمة…، خاطبه الحق سبحانه فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء:107) . لقد كان أحسن الناس خُلقاً وأدباً، وصفه ربه عز وجل مادحاً خُلقه فقال: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ } (القلم 4 ). أرسله الله عز وجل للناس كافة، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف 158) لقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل الناس شرفاً وحسبا ونسبا، وكان ألطفهم طبعاً وسلوكا. كان متواضعا، وكان أبعد الناس عن الكبر، يقول صلى الله عليه وسلم : “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ، فقولوا عبد الله ورسوله” رواه البخاري. أما أنس بن مالك رضي الله عنه فقال فيما اتفق عليه الشيخان: “كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا”. وسئلت عائشة رضي الله تعالى عنها عن خلقه فقالت: “كان خلقه القرآن” صحيح مسلم.
2 – طبيب النفوس… كان رحيما بمن أخطأ في مجلسه أو تلفظ بقول لا يليق، فكان يعلمه بأحسن الأساليب وأبلغ الإشارات، ويوجهه بألطف العبارات، مثال ذلك: قصة الفتى الذي جاء يستأذنه في الزنا، “فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، فقال له: “اُدنُ”، فدنا منه قريباً، قال: “أتحبّه لأمّك؟” قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: “ولا الناس يحبونه لأمهاتهم”، قال: ” أفتحبه لابنتك؟” قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: “ولا الناس جميعاً يحبونه لبناتهم”. قال: “أفتحبه لأختك؟” قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: “ولا الناس جميعاً يحبونه لأخواتهم”. قال: “أفتحبه لعمتك؟” قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: “ولا الناس جميعاً يحبونه لعماتهم”. قال: “أفتحبه لخالتك؟” قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: “ولا الناس جميعاً يحبونه لخالاتهم” قال: فوضع يده عليه، وقال: “اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه”(رواه الإمام أحمد)، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
3 – لهذا بعث وهذه رسالته... عندما قيل له اُدع على المشركين، قال صلى الله عليه وسلم : “إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة “(رواه مسلم) كان صلى الله عليه وسلم رحيما في تعامله مع الناس حكيما في توجيههم. عن أنس رضي الله عنه قال: ” بينما نحن في المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فصاح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَه مَه ( أي اترك) !! قال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تُزرموه، (لا تقطعوا بوله). فترك الصحابة الأعرابي يقضي بَوله، ثم دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال له: “إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنَّما هي لِذِكر الله والصلاة وقراءة القرآن”، ثم قال لأصحابه صلى الله عليه وسلم : “إنَّما بُعِثتم مُبَشِرين، ولم تُبعَثوا معسرين، صُبّوا عليه دلواً من الماء”. عندها قال الأعرابي: “اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً”. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : “لقد تحجَّرتَ واسعاً”، (أي ضَيَّقتَ واسعاً)، متفق عليه.
4 – ليس في الدنيا فقط!! عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: “إن الناس يصيرون يوم القيامة جثا – جلوسا على الركب -، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود “(رواه البخاري). وهو ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل يمر الناس بالأنبياء من آدم عليه السلام يطلبون منهم أن يشفعوا لهم عند ربهم فكلهم يشفق من هذا الأمر حتى وصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : “فيأتوني، فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال يا محمد ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع” متفق عليه. هذه الشفاعة العامة التي خص بها نبينا من بين سائر الأنبياء هي المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : “وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة”. من أجل هذا وغيره كثير وجبت علينا محبته صلى الله عليه وسلم

عبد الحميد الرازي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>