مجالس القرآن – منهاج الغرباء..!


> أيها الشباب الْمُتَلَقُّونَ لرسالة القرآن! هذه وظيفتكم أختصرها لكم في كلمات: إن الانتساب لرسالة القرآن تَلَقِّيّاً وبلاغاً، معناه: الدخول في ابتلاءات القرآن، من منـزلة التحمل إلى منـزلة الأداء! إنها تَلَقٍّ صادقٌ لكلمات الله، وتعليمُ القلبِ طريقةَ الاشتعال بلهيبها، والصبر على حَرِّ جمرها؛ حتى يصير مشكاةً بلوريةً تفيض بنور الله..! ثم تعليمُ ذلك للآخرين، بتذويقهم شيئاً فشيئاً لذةَ المعاناة لنور الوحي، ومتعة الحياة بمكابدة القرآن..!
> أيها الأحبةُ الْمَشُوقُونَ بحب الله!.. إن النورَ طاقةٌ لاهبةٌ، شديدةُ الصعق كالبرق! نعم؛ لكنَّ القلوبَ الْمَشُوقَةَ بوميضه الوهاج حَقّاً، تشتعل به فَتَائِلُهَا اشتعالاً، وتلتهبُ به مصابيحُها التهاباً، ثم لا تحترق! > أيها الأحبة المكابدون! إن الكلام المجرد لا يكفي لبلاغ رسالات القرآن، بل أَمِدُّوا قلوبَ الآخرين بتيارٍ من شرايينكم المشتعلة! تستضيء أرواحهم كما استضاءت أرواحكم! فتغمر الأنوارُ البلادَ والعباد..!
> أيها الأحبة المكابدون! إن اللغة عاجزة عن وصف النور..! ولكنَّ الوسيلة الوحيدة لوصفه، والتعريف به، إنما هي قَدْحُ زُرِّ كهربائه، وإشعال فتيل مصباحه! وإنما قلوبكم هي مصابيحه، وشرايينكم هي مجرى تياره! فأشعلوا نَارَهُ بقلوبكم، واقْدَحُوا فتيله بنفوسكم! والتهبوا به التهاباً حتى تكتووا بناره، وتجدوا حَرَّ تياره! فإذا صافحتم الناسَ بحقائق القرآن بعدها؛ وجدوا حَرَّ النور في أيديكم، وتلقوا لهيبه من أنفاسكم، ووقعت عليهم كلمات الله من ألسنتكم وقوعَ النيازك المشتعلة! وذاقوا حقيقةَ مكابدة القرآن كما ذقتم..! فآنئذ – وآنئذ فقط – يدرك الناس معنى رسالتكم! > أيها الأحبة المكابدون! إن حُمَّالَ هذه الحقائق الإيمانية في الأمة اليومَ هم القليل.. وإن الحامل لجمرة واحدة من جمر آية واحدة، يكتوي بلهيبها، ويستهدي بنورها؛ لأنفع لنفسه وللناس -بإذن الله – من مئات الحفاظ للقرآن كاملاً، الذين استظهروه من غير شعور منهم بحرارته، ولا معاناة للهيبه، ولا مشاهدة لجماله وجلاله! فلا يحقرن نفسَه صاحبُ الآية والآيتين والثلاث… إذا كان حقا ممن قبض على جمرهن بيد غير مرتشعة! وارتقى بقراءتهن إلى منازل الثريا، نجما ينير شبراً من الأرض في ظلمات هذا العصر العصيب! > أيها الأحبة المكابدون..!
> يا أيها السالكون إلى الله في زمن الغربة! إن قلة السائرين على الطريق لا ينبغي أن تثني عزم الصادقين، ولا أن تثبط المؤمن عن الانخراط الإيماني في حمل رسالات القرآن وبلاغها.. بل ربما كانت القلة أحيانا دليلا على صواب المنهج! قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ}(الواقعة:14) وقال عز وجل في حق نوح عليه السلام: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ!}(هود: 40) وقال سبحانه في حق موسى: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ!}(يونس: 83) وقد كان الأنبياء – من قَبْلُ – ليس يتبع الواحدَ منهم إلا الرجل والرجلان والثلاثة، أو النفر القليل! فعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قَالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلانِ، وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ!))( رواه مسلم) … وكذلك كان بدء دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم صار بَعْدُ أكثرَ الأنبياء أتباعاً. ولنا اليقين أن القِلَّةَ إذا تحققت بولاية اللهِ صَنَعَ اللهُ بها الأعاجيب! وإن الله تعالى إذا نظر بعين الرضا إلى عبد من عباده، أو إلى ثلة قليلة منهم -ولو كانوا معدودين على رؤوس الأصابع- جعل منهم مفاتيح للخير، شهداء على الناس!

د. فريد الأنصاري رحمه الله تعالى

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>