المحافظة على الفرائض والتقرب إلى الله بالنوافل(4):


 

ثمار التقرب

ذ. رشيد المير

 

إن القيام بالفرائض في جميع نواحي الحياة إحسانا وإيمانا واحتسابا والإقبال على النوافل محبة ووفاء يستجلب معية الله عز وجل ومحبته ومحبة الملائكة والعباد.

ففي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال صلى الله عليه وسلم : ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساء ته))(1) .فمن خلال هذا الحديث القدسي العظيم المليء بالدروس والعبر نقتطف منه بعضا من النفحات الإيمانية.

أ‌- إن النوافل تقوم بتطهير آليات الكسب -المدخلات والمخرجات- (اليدان- الفم- اللسان- الأذنان- الرجلان..)، وهي الجوارح التي تشهد كل ما ا قترفه العبد {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(ياسين : 65) {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(النور : 24) {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(فصلت : 20).

ب‌- وإن الإقبال على النوافل يزكيها ويمنح لها الزاد الأساسي من العبادة:

* العين: النظر إلى ما أحل الله،(( فإذا أحببته كنت….. وبصره الذي يبصر به(( ويهبه البصيرة وبعد النظر وحسن الفهم وصدق الفراسة.

* الأذن: الاستماع إلى ما أحل الله (القرآن..) (( فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به(( ويزوده بآليات استقبال بميزان التحليل والرصد وضبط ما يتلقاه من أخبار ومعلومات ((ولا تقف ما ليس لك به علم(( ((إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا((

* اليدان: الإنفاق والبطش في سبيل الله. ((ويده التي يبطش بها((.

* الرجلان: الذهاب إلى مجالس الذكر..((ورجله التي يمشي بها((.

* القلب: عليه مدار الأفعال.((…ورجل قلبه معلق بالمساجد(( كأنه الثريا يتزود ويشحن بالطاقة ويصبح في آن واحد يشع النور على الآخرين. وعلى قدر القرب والتزود وتكرار الوصل يكون قطر الشعاع ودائرة الإشعاع. وعلى قدر الولاء يكون العطاء.

ت‌- وإن التقرب إلى الله يزكي العقل ويحرره من أسر الهوى وأغلال الظن والشك ويمده ببصائر الوحي والهدى النبوي قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا} وهذه الهداية تثمر التقوى {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}. فتصبح لباسا للعبد {ولباس التقوى خير}.

ث- وهو مجلبة لمعيته وولايته وحفظه ((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب((.

ج- استدرار محبة الله على العبد ((وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)). وعن النبي صلى الله عليه وسلم(( قال : ((إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل، إن الله تعالى يحب فلاناً، فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض))(متفق عليه).

وإن الصلاة مدار الأمر كله وعمود الدين وبواسطتها نبني عبد الله من بني آدم الموصول بالله وفق المنهج القرآني، تتداخل فيها باقي الشعائر فتتجسد فيها مجموعة من الصفات لبناء جسم متكامل معافى وموحد كالبنيان المرصوص…

فمن خلال شعيرة الصلاة نتعلم ونتزكى لنصير لبنة داخل بنيان الصف المرصوص فنتخلق بصفات جامعة. لا تستنكف لبنة أن تحمل لبنة أخرى في أي موضع كانت داخل الجدار. ومن خلال الممارسة التعبدية لشعيرة صلاة الفريضة تتجلى هذه الصفات.

1- الضبط والانضباط، فلها ضوابط قبل الأداء وأثناء الأداء، ضبطت زمانا ومكانا وهيئة، والمصلي ليس له إلا أن يضبط إيقاع حياته وفق زمن الصلاة طوال اليوم والليلة وينضبط للقيام بها بركوعها وخشوعها.. وإلا اختل ميزان حركته في الوجود وكان له الأثر السيئ على نفسه والمحيطين به.. قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا} وقت مضبوط وإنسان منضبط لإيقاع الكون {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}(مريم : 93).

وهي كذلك تحقق للإنسان الانتماء للجماعة من خلال اندماجه التلقائي في الصف محققا الصفة الأخرى وهي الطاعة التامة للإمام والاقتداء به واتباعه لأنها من طاعة الله.

2- ويمكن للمأمون أن يقوم بتقديم النصح للإمام إن هوأخطأ تذكيرا وتوجيها أو أن يقوم مقامه لعذر وذلك حرصا منه أن لا تتعطل هذه الشعيرة.

4- وفي اتباع الإمام نتعلم إسناد الأمر إلى أهله وعدم منازعة الأمر أهله لأن الإمام جعل ليؤتم به وقد أنيطت به هذه المهمة لما تميز به من مواصفات تؤهله للقيام بهذه الوظيفة على أكمل وجه.

5- كما أن الإقبال عل الصلاة عند سماع الأذان يجسد الفهم الصحيح والسليم لسلم الأوليات : أن ما عند الله خير وأبقى {…استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.

6- وأن الاستجابة الفورية لنداء الإيمان تتجلى فيها أكبرية الله في قلب المؤمن((فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع(( استجابة لنداء الصلاة الذي يعلن على أسماع الوهاد ((الله أكبر))، وتظهر فيها مدى جاهزية الفرد واستعداده للحركة الدائبة والمبصرة اتجاه نداء الأكبرية.

7- ومن خلال الصلاة فرضا ونفلا يجد المؤمن الأنس والسكينة تذللا وتضرعا ومناجاة حتى إذا ما ذاق حلاوة القرب فإنه لا يمكن له الاستغناء عن ود الحبيب القريب المجيب((إذا سألك عبادي عني فإني قريب…(( فتصبح مجاهدة النفس على ملازمة هذا السبيل لرضا الله عز وجل الشغل.

فمحبة الله عز وجل هي حياة القلوب، وغذاء الأرواح. أوصت امرأة من السلف أولادها فقالت لهم : (( تعودوا حب الله وطاعته، فإن المتقين ألفوا بالطاعة فاستوحشت جوارحهم من غيرها، فإن عرض لهم الملعون بمعصية مرت المعصية بهم محتشمة فهم لها منكرون((.

وأخيرا فإن الهدف من هذه الصفات هوبناء ((عبد الله((، بناء تكون الآخرة فيه هي الباعث له ليسير في الأرض على بينة داعيا إلى الله على بصيرة محتسبا كل ما يلاقيه في سبيل الله لعلمه أن مبتغاه هو رضى الله عز وجل، لا يريد منصبا ولا جاها وإنما يستشعر مسؤوليته ووظيفته من خلال انصهاره الكلي في نسق مجتمعي يتكامل أفراده كل حسب قدراتهم لتحقيق الخيرية في الأرض.

جعلنا الله من الصادقين ومع الصادقين ومن المخلصين ومع المخلصين آمين

———

1- رواه البخاري

3- البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه.

4-

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>