“الشيخ عبد السلام الهراس “الداعية الثبت


محمد حماني

 لاشك أن للدعوة الإسلامية – اليوم -  قيمتها، وأهميتها في بناء الفرد والمجتمع، لما أصبح عليه العالم من صراعات، وتمزقات اجتماعية وسياسية، وكذا الإقبال على شهوتي الفرج، والبطن، والابتعاد عن “شهوة الفكر”، والحكم بأهواء النفس، وغرائزها .. ولقد هيأ الله سبحانه وتعالى قد هيأ لهذه الأمة قيادات مؤمنة، صالحة، صابرة، من ذوي الضمائر النقية، التي انفردت، وتميزت

بغيرتها الشديدة على الإسلام والمسلمين، إذ هي محور أعمالهم  (أي: الغيرة)،  ومصدر آلامهم، وآمالهم.

والشيخ عبد السلام الهراس واحد من هؤلاء الذين لهم غيرة على الدين، والخلق القويم، حيث يدعو إلى الله في ثبات واستمرار دائمين، وهو من العلماء الأفذاذ في الفكرة الإسلامية، والذين لهم اطلاع واسع على الثقافات العالمية، والتيارات الفكرية على اختلاف مشاربها، ويعتبر رائدا من رواد الدعوة الإسلامية الذين صرفوا عمرهم لها منذ يفاعته.

أولا: مفهومه للدعوة  :

يفرق الشيخ عبد السلام الهراس بين نمطين من الدعوة :”الدعوة” -بتاء مربوطة- و”الدعوى”- بألف مقصورة- فيرى في النوع الأول الدعوة الصحيحة القائمة على أسس دينية متينة، غير أنه يرى في النوع الثاني الدعوة الجوفاء  الفارغة التي لا تنتسب إلى الأولى؛ لأن مقاييس الفكرة الإسلامية لا تنطبق عليها. و”الدعوى” في “التعريفات” للشريف الجرجاني (ت:816ه ):”مشتقة من الدعاء وهو الطلب، وفي الشرع: قول يطلب به الإنسان إثبات حق على الغير”. ومن ثمة يرى الشيخ الهراس أن من الوفاء للحقيقة وللإسلام الكشف عن بعض الآثار الخطيرة لهذه الدعوة الجوفاء الفارغة، حيث أجملها، وركزها في عناصر ثلاثة هي:

أ- تقديم الإسلام في صور ومظاهر مشوهة .

ب- تنويم العواطف وتخديرها .

ج- تنفير الشباب من الإسلام ودفعه للبحث عما يحقق مثاليته في مذاهب أخرى .( دعوة الحق، ع:5، س:12، ص:34).

وعليه فالإسلام ليس في حاجة إلى من يتكلم عنه، وإنما إلى من يعيشه، ويسلكه، وفق تعاليمه الإسلامية السمحة. فنحن نحتاج إلى قيادات صالحة تكون قدوة، وإماما بالعلم، والعمل، كما نفتقر لرجال دعوة من ذوي جلد وصبر، وأناة ليس في حسابهم غنم منتظر سوى القيام بواجبهم. وقد سئلت أمنا عائشة- رضي الله عنها- عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : كان خلقه القرآن، ومن هنا فكل حركة تنتسب إلى الإسلام ليس خلقها القرآن هي – في رأي الشيخ عبد السلام الهراس – مجرد ” دعوى “.

والبشرية في حاجة إلى الدعوة الإسلامية التي ممن أسسها، ومقوماتها، وركائزها، حسن الخلق، وجمال القدوة، وحلاوة المنطق، ووضوح الفكرة، وفعالية التأثير، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.. (المحجة، ع:329، ص:16).

فالدعوة الإسلامية  -حسب الشيخ الهراس- ليس الدافع إليها نزوة عابرة، أو مواجهة طارئة،  أو مجاملة لعواطف، أو دغدغة لآمال، أو غير ذلك من الدوافع التي تمليها ضغوط مفاجئة.. وأن الدعوة السليمة دافعها إيمان راسخ بأن الإسلام هو الفكرة الوحيدة الكفيلة بتكويننا نحن – المسلمين- حضاريا وبعثنا من ركودنا، ومدنا بعناصر القوة، والتقدم، والازدهار، كما أن الدعوة الإسلامية الصحيحة تستمد تصوراتها من القرآن والسنة وتقيم دعائمها على الفكرة الشمولية للإسلام، وتصدر عن دافع واع لتحقيق أهداف تستجيب لمطامح المسلمين.. (دعوة الحق-بتصرف، ع:سابق، ص:33).

ثانيا: منهجه في الدعوة إلى الله :

إن المنهج ركن أساس في الدعوة إلى الله،  فبدون منهج لا يوجد طريق إلى الأهداف المتوخاة من الدعوة مهما بذل من جهد،  وقدم من عطاء،  والمنهج خطة مصقولة لمعالجة الخلل والعمل على سد الثغرات في الدعوة إلى الله بمنهج رباني يسعى إلى تنظيم الأفكار، والتصورات. وصاحب المنهج الدعوي يحسن به أن يمتلك جواب أسئلة من قبيل :

- من تدعو.. ؟

- متى تدعو.. ؟

- كيف تدعو.. ؟

هذا ومن فضائل الشيخ عبد السلام الهراس الدعوة الى الله بأسلوب هادئ يغلب عليه العقل،  والتحفظ، والتدرج في إصلاح الإنسان، وتوجيهه .. وهو رجل طيب القلب، سليم الصدر، دائم السؤال على أصدقائه، لطيف الحديث، سمح النفس، فهو يبتعد في دعوته عن النقاش، والمجادلة، واللف والدوران، ويهدف إلى الإقناع بالسلوك الخلقي، ويسير في دعوته سير العاقل المتبصر الذي له نظرات في الحياة ثاقبة، وصائبة.

ثالثا: أهدافه في الدعوة

يبدو أن الأهداف هي بمثابة المقاصد المحددة، المخططة الوسائل، المرسومة المراحل، المدروسة الأساليب، وإن من الواضح أن الإسلام قد استهدف أهدافا أساسية، عليها يقوم صلاح الإنسان في دنياه، وأخراه، وهي :

1- تحرير العقل البشري من أوهام الخرافة، والتقليد، والضلال البعيد حين قرر عقيدة الألوهية ووضح معنى النبوة، ووجه العقول نحو التفكير، والنظر، وطلب الحجة والبرهان وأهله ليكون في مستوى تشريع الأحكام الشرعية.

2- إصلاح الفرد نفسيا، وخلقيا، واجتماعيا عن طريق سن أحكام مبدئية، وأساسية لتنظيم سلوكه تجاه نفسه، وأسرته، ومجتمعه، لصيانة حقوقه، وحقوق الآخرين، وضمان استقامته، وسعادته، وارتقائه، وكرامته. (محمد إقبال مفكرا إسلاميا، لمحمد الكتاني، ص:91).

ومن ثمة يرى الشيخ الهراس أن من أهداف الدعوة إلى الله القيام بمهمة تثقيفية في مختلف المجالات الاجتماعية، وتقصد إلى تقويم الأخلاق النفسية، والروحية، وإصلاح العادات، والتقاليد، وتوثيق عرى العلاقات الفردية، والاجتماعية، وتوجيه الطاقات المؤمنة، نحو الإنتاج والتقدم، ومناقشة الأفكار الطارئة، على الأفكار الإسلامية، ومحاربة كل ما يسيء إلى العقيدة الدينية، والخلق الإسلامي القويم.

أما،  وقد ذكر الشيخ الهراس ما يصح أن يكون مجمع دعوته، ومجمل رسالته في ”جمعية الدعوة” التي أسسها بفاس، فقال بالنص : “إن جماعتنا تقوم على ثلاثة أهداف، أولها الجانب العلمي، فنحن نسعى إلى تربية أعضائنا بالعلم، وعلى العلم، وثانيا نهتم بالجانب الخيري، ونجتهد في الاجتماعي، وأخيرا نركز على شق البحث الجامعي والأكاديمي”  ( حوار مع: د. الهراس،  المحجة، ع:164، ص:15).

ثم إن من أهداف الدعوة -عنده- إعداد المرأة الداعية من خلال تكوين جمعيات نسائية، وإنشاء دور القرآن الكريم خاصة بالمرأة؛ لأن مكان المرأة في الدعوة إلى الله أصبح ذا أهمية كبرى إذ الصلاح من المرأة، والفساد من المرأة؛ لذلك اهتمت أساليب إفساد المجتمع الإسلامي بالمرأة المسلمة. (المحجة، ع: 314، ص :16 ).

يبقى الأرب، والمقصد من الدعوة إلى الله هو خدمة وإصلاح الإنسان خليفة الله في هذه الأرض،  والارتقاء به إلى المكانة السامية التي منحها له الإسلام حتى يكون في مستوى الأمانة الملقاة على عاتقه.

رابعا: تعامله مع الدعاة :

يعتبر الشيخ عبد السلام الهراس داعية أهلته ثقافته،  وتربيته، وأخلاقه، للقيام بجولات عبر العالم لهداية الناس، والأخذ بيدهم نحو أقرب وأقوم طريق للعزة والكرامة، وقد ظفر الشيخ الهراس أثناء حركته في الدعوة بنخبة صالحة من الدعاة الذين يبادلون بعضهم بعضا حبا صادقا، وإخلاصا في العمل لأن عروتهم الوثقى نسجتها تعاليم الإسلام وأخلاق الإسلام. وفي رحلته العلمية إلى المشرق العربي،  تعرف صيف 1954 على جماعة “عباد الرحمن” التي أسسها المهندس أبو عمر محمد الداعوق الذي ينحدر من أسرة بيروتية عريقة وثرية،  وهذه الجماعة “بمثابة حركة إسلامية بمنهج تربوي بسيط، وواضح السير، وقد اهتدى رائد الجماعة لآيات عباد الرحمن(63-70) الواردة في آخر سورة الفرقان، فبنى جماعته على أساس تربوي مستمد من هذه الآيات، ثم ينطلق إلى القرآن، والسنة، والسيرة، والسلوك الأخلاقى التربوي لقادة التربية الإسلامية..”

وقد خرج من تحت معطف هذه الجماعة دعاة شباب ممن تربوا في أحضانها، ومن هؤلاء الدعاة:

- الأستاذ توفيق موري خريج الجامعة الأمريكية ببيروت، وجامعة أكسفورد بلندن.

- أحمد صقر، المهندس الزراعي، وخريج الجامعة الأمريكية.

- سماحة المفتي حسن خالد أستاذ الهراس وشيخه.

- الدكتور صبحي الصالح الذي كان آية من آيات الله في العلم والخطابة.

-الأستاذ فتحي يكن أحد كبار رجالات الدعوة الإسلامية في لبنان .

- أبو عمر محمد الدعوق رائد الجماعة، الذي كان له فضل كبير على الأستاذ الهراس في الدعوة إلى الله، حيث امتدت الدعوة على يد الأستاذ الهراس في لبنان إلى البقاع من قرية “القرعون” إلى قرية “الفاكهة” بعد مدينة بعلبك..

وعندما أعلنت طرابلس انفصالها عن جماعة “عباد الرحمن”، وتأسيس “الجماعة الإسلامية” المتأثرة بدعوة الإخوان المسلمين التي كان يدعو إليها الأستاذ سعيد رمضان، تعرف الأستاذ الهراس آنذاك على دعاة من أمثال :الأستاذ فاروق نجا، والأستاذ إبراهيم المصري، والشيخ فيصل مولوي. وفي الكويت تعامل الأستاذ الهراس مع الدكتور عبد الرحمن السميط رئيس”لجنة مسلمي إفريقيا” الكويتية التي تقوم دعوتها على التعليم، والتطبيب، والتثقيف، والتكوين المهني، والإعلام ..

ولست أحب أن أغادر هذه الكلمة دون أن أشير إلى أن عمل الداعية،  والمصلح “من أشق الأعمال وأصعبها،  فهو يحتاج فيما يعالجه من إصلاح إلى درس دقيق،  وتفكير عميق، حتى يحيط بالمشكلة التى يواجهها جملة وتفصيلا، ثم يضع خطة الإصلاح في إتقان وإحكام على ضوء ما درس، ثم يعد الرأي العام ليستجيب لدعوته، ويتحمس لمطلبه”(1) .

وإذا استقام لنا ذلك كله، جاز أن نقول: إن هذه وقفة أشبه بحسو الطائر، أو أشبه بقبسة العجلان عند علم من أعلام الدعوة، والوعظ والإرشاد، ولم تكن هذه الكلمة لتوفي الرجل حقه باعتباره داعية إسلاميا بارزا..  له القدح المعلى في ميدان الدعوة الإسلامية المعاصرة؟ ! وإنما هي مجرد قبس مضيء من بعض أفكاره الدعوية،  سقناه للتشبه بالكرام “لعل التشبه بالكرام فلاح” .

فاللهم احفظ شيخ الدعوة الإسلامية: الدكتور عبد السلام محمد الهراس لما أسدى لهذه الأمة من خدمة جادة، وعطاء مثمر، وعجل اللهم بشفائه وبارك في عمره وارحم شيخه أبا عمر محمد الدعوق رحمة واسعة،  إنك ولي ذلك، والقادر عليه، وارحم كل العاملين في سبيل تبليغ دينك ونشر رحمتك..آمين.

———–

(ü) موقع: ” إسلام أون لاين”  القرضاوي :”سيرة..ومسيرة”، حيث وصف الشيخ القرضاوي، عالمنا وشيخنا :عبد السلام الهراس- أطال الله عمره- ب:”الداعية الثبت”.

(1)- زعماء الإصلاح في العصر الحديث، أحمد أمين، ص:349/دار الكتاب العربي_بيروت.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>