مـقـاصـد اللـبـاس3


د. حسن الآمراني

الـمقصد التعــبــدي:

يقول المثل الفرنسي: إن الثياب لا تصنع الراهب.

L’habit ne fait pas le moine

أي ليست الثياب وحدها هي التي تصنع الراهب، بل لابد من مطابقة الباطن الظاهر، ولابد من التقوى، ومن أخلاق حسنة تؤهله لكي يكون أهلا لدرجة الرهبنة.

 ومع ذلك فإنه لابد للراهب من ثياب الرهبنة التي تميزه عن غيره من الناس، ومن شأن هذه الثياب أن تكون باباً إلى إنزاله من نفوس الناس منزلة خاصة، حتى قبل أن يصدّق الخبْر الخبر.

ومعلوم أن لكل طائفة من طوائف العباد والزهاد ورجال الدين وعلمائه في كل ملة ونحلة من ثياب مخصوصة ولباس معلوم. فأنت تميز الرهبان النصارى عن الرهبان البوذيين بالملابس، كما تميز الهندوس والبراهمة بثيابهم. على أن علاقة الثياب بالعبادة قديمة جدا، وأنت تراها في الديانات السماوية والأرضية على السواء.

على أن الأمر لا يقف عند حدود رجال بعينهم، يسمون الرهبان أو الكهنوت أو علماء الدين، بل هو يتجاوز ذلك إلى أصول  العبادات. فليست الثياب أمرأ عرضياً يمكن الاستغناء عنها في ميدان العبادة، بل هي -في كثير من الأحيان- من صلب الدين وشعائره التي لا تتم إلا بها.

كان العرب في الجاهلية يطوفون حول البيت عراة، وعلى الكعبة كسوتها، وهم يصفقون ويصفرون. قال تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً}(الأنفال: 35)، والمكاء: الصفير، والتصدية: التصفيق. وكانوا يطوفون وهم عراة، رجالاً ونساءً، وكان من تلبيس إبليس أنهم كانوا يقولون: (كيف نعبد الله في ثياب عصيناه فيها؟)، وما فكروا في أن يجملوا أنفسهم بثياب جديدة لم يعصوا الله فيها، وكانت المرأة، وهي عارية، تطوف و هي تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كلّه     ***     فما بدا منه فلا أحلّه

فلما جاء الإسلام أبطل هذه العادة السيئة، وأمر الناس أن يستتروا، وأن يتزينوا باللباس،  فكان الحكم العام في السير إلى  المساجد قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}(الأعراف: 31)، وأدنى  مظاهر الزينة للرجل ما يستر عورته، مما هو فوق السرة وتحت الركبة، فإن تجمل بما هو فوق ذلك فحسن مطلوب. وزينة المرأة ألا يظهر منها غير الوجه والكفين. وأما الحج فمن شروطه الإحرام، ومن شروط الإحرام التجرد من المخيط والمحيط، وأن يلبس الرجل إزاراً ورداء، ولا يحل له ما فوق ذلك. وأما المرأة فثيابها في الإحرام ثيابها في صلاتها في غير الإحرام.

فهذا لباس عبادة الحج، ولا يجوز للمسلم أن يتجاوزه وإلا فسد حجه. وبعض المذاهب تشدد على غطاء رأس الرجل في الصلاة في غير الحج والعمرة، وقد سبقت الإشارة إلى شيء من ذلك من قبل.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>