يبدأ التطبيع مع المحرمات، ومع كل أشكال الممنوعات التي تسيء إلى الفرد والمجتمع، بتغيير أسمائها ومصطلحاتها الدالة عليها. كان ذلك دأْب الناس منذ القديم وما زال، بل إن الأمر زاد استفحالا في العصر الحاضر، وتطوَّر بشكل خطير نتيجة التطور الإعلامي والتقني، فدُفِنَتْ مصطلحات واستعملت أخرى بَدَلها، سواء من أجل دفع الناس إلى الإقبال على شيء أو بهدف التنفير منه.
وهكذا وجدنا مصطلحات من قبيل “الفائدة” بدل “الربا”، و”القهوة” بدل “الرشوة”، و “التوجيهة” بدل “الغش” في التجارة، و”النْقيل” أو “التحراز” بدل “الغش” في الامتحانات، وما إلى ذلك من الألفاظ التي تُصنَع يوميا، أو تُلبَس دلالات جديدة من أجل تقريب المحرمات من المواطنين…
بدأ الأمر باللفظ، ثم تطور التطبيع مع ما ولّدته الأجواء الهامشية للحرية من تسامح أو تساهل وفي كثير من الأحيان لا مبالاة، من قِبل المراقبين، ومن استعطاف وتذلل، أو ربما تلويح وتهديد بالعنف من قبل الممتحَنين، حتى ولّد ذلك مجموعات متوالية من المتهاونين في التحصيل والدراسة، مما أدى إلى تراجع المستوى بشكل كبير.
لا أبالغ، ولكنها حقيقة مُرة. وبالتأكيد فإن المسؤولية تتقاسمها أطراف، ممن يتحمل مسؤولية التربية والتعليم، كل حسب قدره وموقعه…
بعض الآباء وأولياء أمور التلاميذ يغضون أبصارهم عما يفعله أبناؤهم في هذا الباب، بل إن سؤال بعضهم – مستفهمين لا مستنكرين- لأبنائهم حال خروجهم من قاعة الامتحان مُحبِط ومشجع على الغش، بقولهم: “هل تركوكم “تنقلون”؟” مما يغرس في أذهان الأبناء أن الغش ربما يكون حقا مشروعا.
وعدد من المراقبين موجودون وغير موجودين، موجودون بأجسامهم من أجل إثبات الحضور، لكن المراقبة لا قِبَل لهم بها، إما استهانة وعدم مبالاة، أو توقعا لشر محتمل، أو ممن يرى أن “النقيل” حق مشروع، أو نتيجة “توصية” لحساب فلان الموجود في القاعة.
أما الإداريون، فإن عددا منهم يرفع شعار “سَلَّكْ” أي “اجعل الأمور تمر بسلام”، لا يريد صخبا ولا احتجاجا، ولذلك يحبِّذون إبعاد كل مراقب صارم حاد قد يسبب في كسر الهدوء الذي تعيش فيه المؤسسة.
وأما ما يتعلق بشرائح عريضة من التلاميذ فأمر لا يخفى على بال…
ولعل ما سنته الجهات الوصية هذه السنة فيما يتعلق بالباكالوريا قد يكون بداية للنظر إلى المسألة بجدية وحزم. لكن الأمر لا ينبغي أن يقتصر على امتحانات الباكالوريا، ولا على الغش كسلوك، فالخَطْب أعم من ذلك بكثير ولا بد من علاج القضية من أساسها.