آفاق تطوير الدرس المصطلحي للقرآن الكريم مفهوما ومنهجا


العدد 400 __ د. فريدة زمرد(*)

الدراسة المصطلحية مــن “الـمنهج” إلى “العلم

إن الدراسة المصطلحية لمفاهيم القرآن الكريم بكل ما لها من خصائص تتعدى صفة المنهج إلى صفة العلم، إذ المنهج مكون من مكوناتها، وهي تمتلك إلى جانب المنهج كل شروط العلمية، ولذلك أرى أن تتبوأ مكانتها بين علوم الكتاب العزيز الخادمة لبيانه وتفسيره، مثل العديد من العلوم التي تأسست لخدمة مفردات القرآن الكريم كعلم الغريب وعلم الوجوه والنظائر وعلم المفردات…لكن إضفاء صفة العلم على “ضرب من الدرس” يحتاج حتما إلى بيان المقومات التي دعت إلى ذلك، وهي كما يلي:

مقوم الموضوع: وموضوعها هو مصطلحات القرآن الكريم ونصوصها، وإضافة النصوص هنا أمر ضروري، وهو ما يرقى بهذه الدراسة إلى منزلة هي أقرب إلى علم التفسير منها إلى علم المفردات، إذ ما يميز دراسة مصطلحات القرآن هنا دراستها في نصوصها قصد الوصول إلى تعريف لها، ولا نصل إلى التعريف إلا بمرقاة الدراسة النصية لكل نص نص ورد فيه المصطلح.

مقوم المنهج: إن أهم ما أعطى لهذه الدراسة بعدها العلمي المتميز: منهجها الدقيق الذي يتدرج فيه الدارس انطلاقا من المصطلح ومرورا بالنص ووصولا إلى التعريف، عبر مراحل دقيقة يأخذ بعضها برقاب بعض دراسة ثم عرضا.

مقوم الغاية والمقصد: إن المقصد من هذه الدراسة مقصدان: مقصد علمي ، ومقصد حضاري :

فالمقصد العلمي هو الوصول إلى تعريفات اصطلاحية دقيقة للمصطلحات القرآنية، تلخص ما تتضمنه من دلالات وأحكام، تُحكم بها هذه الدلالات وتمنع أي زيغ قد يقع في تأويلها، وأي انحراف قد يقع في تنزيلها، ويمكن أن نصل بعد هذا إلى إخراج معجم مفهومي يتضمن هذه التعريفات، يمد الباحثين والدارسين والمفسرين والمتدبرين للقرآن الكريم بما يعين على تبين معانيه على الجملة وتنزيلها على التفصيل.

وأما المقصد الحضاري البعيد فهو إعادة الأمة إلى مركزية الحضارة من أكثر المداخل والأبواب أمنا وسلامة، وهو مدخل المصطلح: المفتاح لفهم أساس هذه المركزية وهو النص، ألسنا نصف الحضارة الإسلامية بأنها حضارة النص؟ …..

مقوم المصطلح : والمقصود هنا مصطلحات “الدراسة المصطلحية” التي صارت عَلَما عليها، بعضها مشترك بينها وبين غيرها من الفروع العلمية، كالإحصاء، والتعريف، والمشتقات، والصفات والخصائص، وإن كانت لها في عرف الدراسة معان زائدة، وبعضها يكاد يكون خاصا بها ك”الدراسة النصية” و”الدراسة المفهومية”، و”العرض المصطلحي”، و”الضمائم”، و”الجذر المفهومي”….

إذا تم الإقرار بهذه الحقيقة، أقصد حقيقة امتلاك الدرس المصطلحي للقرآن الكريم لمقومات “العلمية”، أمكن حينئذ التفكير في الاسم الذي يخرجها من حيز “المنهج” أو “الدرس” إلى حيز “العلم”، ويمكن اقتراح تسميتها ب”علم المصطلح القرآني”أو “علم مصطلحات القرآن الكريم”، واعتباره من العلوم الخادمة لكتاب الله تعالى وبيانه.

——–

(*) أستاذة التفسير وعلوم القرآن بمؤسسة دار الحديث الحسنية- الرباط.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>