المُعْجَم الاشْتِقَاقِيُّ المُؤَصَّلُ وَرَكَائِزهُ الْفَنِّيَّةُ


العدد 400 __ د. محمد حسن جبل (*)

صعوبات علمية :

لقد واجهت صعوبات علمية في سبيل الوصول إلى المعنى الأصليّ، أو المعنى المحوري، لكل تركيب.كان من أهمها على الإطلاق :

(1) إمكان تعدد المعنى الأصليّ، حيث وجدتني مدفوعًا إلى رفض هذا التعدد” لأنه بدا لي أن العملَ ـ حينئذٍ ـ سيكونُ قليلَ الجدوى، بمعنى أنني قد أُضطر إلى اقتراح معنى أصليّ لكلّ استعمال أو عدد من استعمالات التركيب، فيكون للتركيب الواحد خمسة معانٍ محورية أو أكثر. وهذا يعني بقاء الحاجة إلى بيان العلاقة بين أصول المجموعات. واتفق لي في ذلك الحين أن وُفِّقت في ردِّ كلِّ استعمالات بعض التراكيب إلى معنى أصلقيٍّ واحدٍ، فحفزني ذلك إلى محاولة شق طريقي في الرسالة كلها على هذا النمط.

وهنا درست قعمل الإمام الجليل أحمد بن فارس في معجمه “مَقَايِيسِ اللُّغَةِ” فوجدت أنني يمكن أن أرد الأصول الكثيرة التي استنبطها لبعض التراكيب إلى أصل واحد. وشجعني ذلك على المضي قدمًا. ولم تكن كل أبعاد قيمة ذلك – أعني ردَّ كلِّ استعمالات التركيب إلى معنى واحد- واضحة في ذهني تمام الوضوح في ذلك الوقت. كلُّ ما هنالك أني رأيت ذلك النهج أقرب إلى النظرة المستقيمة من تعدد المعاني الأصلية لكلِّ تركيبٍ.

كانت الصعوبة التالية هي استعصاء بعض الاستعمالات على الانطواء تحت المعنى الأصليّ الذي أَسْتشعرهُ . فمثلًا إذا كان المعنى اللغويّ الأصليّ للحج هو القصد، فما موقع حِجَاج العين مثلًا من ذلك القصد؟

2- هنا برزت إحدى بنيات الطريق التي يمكن أن تَحْرِفَ السالك عن نهجه، وهي ما سمَّيْته بعد ذلك: الخِلابة. أعني ما نسميه في مصر “الفهلوة” أي المهارة الكلامية أو (الإنشائية) التي ليست وراءها حقيقة. وذلك كأن نقول في تركيب (حجج) إن حِجَاج العين هو الذي يحيط بالعين فيمكنها من (القصد) أي تصويب النظر إلى نقطة معينة. وهكذا.

والذي ردني عن هذا الطريق هو أنه تكشف لي أنني يمكن أن أقول أيضاً إن حِجَاج العين هو الذي يقتصد حركة العين، فلا يمكّنها من النظر إلى غير ما في مواجهتها إلا بالالتفات، مثلا. وهنا أدركت أن هذا السبيل خِلابة وكلام، وليس عِلْمًا ما دام يسمح بتوجيهات متباعدة تبدو كلها سائغة بدلا من توجيه واحد هو الذي يشهد له العِلْمُ أو العقل، فتحولت عن سبيل الخِلَابة هذا. ثم بالمحاولات الكثيرة وبالمعونة من الله تعالى هُدِيتُ إلى إمكان إعادة النظر في معنى (القصد)، هذا، وإلى أن معنى التركيب هو تجوف صلب يحمي ما يدخل فيه. أي أن المعنى المحوري لتركيب (حجج) يحتوي على معاني الصلابة ،والكهفية ،والدخول في كهف. وذلك كحِجَاج العين، هذا، وتبيَّنْتُ أن المعنى المحوري قليلا ما يعبر عنه بكلمة واحدة، بل غالبا ما يحتاج إلى صياغة مركبة، لتشمل كل معاني استعمالات التركيب الواردة.

——

(*) أستاذ بكلية القرآن الكريم – طنطا – جامعة الأزهر – مصر.

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>