كلمة الدكتور محمد يسف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى


بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد النبي المصطفى الأمين وعلى آله وصحابته أجمعين، أصحاب الفضيلة العلماء، السادة الحضور الكرام، السيدات الفضليات، سلام الله عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، بداية، أحيي الذي قاد هذا اللقاء المبارك الكريم حول موضوع سيرة المصطفى الأكرم صلى الله عليه وسلم، وأحيي الذين قاموا بهذا العمل الجليل واهتدوا إليه، اختاروه موضوعاً، واختاروا له مكاناً مناسباً كل المناسبة، هذه المدينة العريقة التاريخية وهي مدينة العلم والمعرفة، مدينة الحضارة التي انبعثت بها شعلتها فأضاءت هذا الغرب الإسلامي طويلا، إنها جامعة القرويين التي تعرفون جميعاً تاريخها ودورها في الحفاظ على شريعة الإسلام وعلى لغة القرآن والتي أنجبت رموزاً شاع أعضاؤهم وفكرهم واسمهم فتجاوز حدود هذا الغرب الإسلامي إلى المشرق الإسلامي؛ فاختيار الموضوع واختيار المكان مما يُسجَّل لهذا اللقاء الأول.
هذا المؤتمر الأول لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أحد يجهل أهمية دراسة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما من مصلحٍ في دنيا الإسلام قام بإصلاحه إلا وهو يستحضر عمل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كيف بدأ عمله الإصلاحي، وكيف أخرج الناس من ضائقة الجهل وتخلف الفكر إلى الفضاء الأرحب الأوسع، إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي قصة ميلاد الإسلام ونمو هذا الإسلام وتطور هذا الإسلام إلى أن اكتمل، ففي سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام إشارة إلى هذا الميلاد؛ الميلاد في غار حراء عندما نزل قول الله عز وجل (اقْرَأْ)، وجاء الحديث في هذه البداية المباركة عن القلم، عن هذه الآلة العظيمة التي تُحرِّك حضارة وتبني الحضارة، جاء الحديث في أول آية من القرآن الكريم، جاءت تتحدث للناس عن القَلم في وقت لا يعرف الناس فيه معنى للقلم، ولا لدور القلم، ولكن جاء الخبر اليقين (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) عندما عرف الناس دور القلم ورسالة القلم، عندئذ عرف الناس أيّ فكر أي دين هذا الذي خرج على الناس من هذه الجزيرة، ثم جاءت نهاية إكمال الدين أيضا في جبل عرفات عندما نزل قول الله عز وجل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام هي قصة هذا الدين، هي حديث هذا الدين، منذ بدايته، منذ انطلاقته الأولى إلى أن كان. لذلك كان حقّاً واجبا، حتما واجبا على المسلمين أن يكون اهتمامهم الأول في مشارق الأرض ومغاربها، بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتوجهوا إلى هذه السيرة النبوية الكريمة ليستنبطوا منها، ليبنوا من جديد حياتهم، ليؤسسوا من جديد حياتهم، ليقوموا بصياغة دنياهم، بصياغة أنفسهم، بصياغة الأجيال التي ستخلفهم على هذه الأرض وستحمل هذه الرسالة، لا يمكن لأجيالنا التي نأتمنها اليوم على أن تكون امتداداً لهذه الأمة بكل ما تحمله هذه الأمة من عبقرية، بكل ما أبدعته هذه الأمة من إبداعات وما قدمته للحضارة الإنسانية من إفادات، لا يمكن لهذا الجيل أن يحمل رسالة هذه الأمة إذا كان يجهل سيرة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، لذلك كانت دراسة سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام حتى في عهد الصحابة كانوا يُعلِّمونها لأبنائهم، كانوا يُعلِّمون السيرة لأبنائهم كما يُعلِّمونهم السورة من القرآن الكريم، وفي تقاليدنا التعليمية أن البداية تكون بتعليم كتاب الله وحفظ كتاب الله عز وجل، ثم يأتي في الدرجة الثانية تعليم الجيل سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، في هذا الإطار يقول عاشق لهذه السيرة، محبٌّ لهذه السيرة، يقول إن كلّ من اعتز بعلمٍ من العلوم هو متخصِّص فيه فإن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي أفضل ما يمكن أن يعتز به عالم من العلماء؛ لأنها عِلم الوحي، هذا علم الوحي إذا ما اعتز ذو علم بعلم، إذا ما اعتز ذو علم بعلم فعلم الفقه أولى بالاعتزاز فكم طيب يفوح ولا كمسك وكم طير يطير ولا كبازي”.
فكان علماؤنا رضي الله عنهم يعطون الأهمية الأولى لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه إذا لم نعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الجوانب التي علَّمَنا فيها وما يحتاج إليه الإنسان المسلم في كل حياته سيجده مخزوناً في هذا الخزان الكبير الذي هو سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذن لا يمكننا أن نعرف حتى ديننا كما ينبغي إذا لم نتعرف على سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم نتعرف على هذا الرسول الكريم الذي ختم الله به سلسلة الرسالات وختم به سلسلة الأنبياء والرسل الذين سبقوه. لذلك أهنئ مرة أخرى هذا الاختيار، وأشكر الساهرين عليه وعلى تنظيمه، ولكنني أقول إن السيرة النبوية ليس معناها أن نقرأ هذه السيرة فقط، أن نُعلِّمها ونحفظها ونكررها ونتلوها على أنفسنا وعلى بعضنا، لا، إنها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تتمثل في سلوكنا وفي أخلاقنا وفي حياتنا وفي دنيانا، في كل حياتنا ينبغي أن تتجسد سيرة رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم. لا أزيد على هذا الذي أشعر به نحو انعقاد هذا المؤتمر الأول لسيرة المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة الجليلة العريقة، ولا أزيد على أن أهنئ مرة أخرى، وأتمنى لهذا اللقاء إن شاء الله أن يخرج بنتائج عملية تجعل أمتنا في الطريق الصحيح، في الاتجاه الصحيح، ينبغي لعلماء الأمة من وراء هذه السفرة، هذه الكوكبة من علماء الأمة، وقد تجمعوا في هذا الصعيد الطيب، لا ينبغي أن يغادروه وأن يبارحوه إلا وقد وضعوا خارطة الطريق لنهضة هذه الأمة عن طريق سيرة نبيها الأكرم صلى الله عليه وسلم، لنستعيد مكانتنا في هذه الأرض ونكون في طليعة الأمم المتقدمة وأن يصدق علينا فعلاً أننا خير أمة كما تحدَّث بذلك كتابنا العزيز، أقول قولي هذا والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>