كلمة الدكتور عبد الجليل سالم رئيس جامعة الزيتونة


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
أيها الحضور الكريم، أيها العلماء والباحثون السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. جئتكم من بلد الزيتونة ومن بلد القيروان موطن الإسلام الأول في هذه الديار، والذي يربطني بهذه المدينة مدينة فاس أواصر القربى كما تعلمون لأمي أو لعمتي فاطمة الفهرية التي أسهمت في إقامة الصرح العلمي حافظ على الوسطية في هذه الديار أعني جامع القيروان وجامعة القرويين، وحينما نتحدث عن الزيتونة فإنما نتحدث عن تاريخ تليد مجيد، عن جامعة عريقة بل هي أقدم جامعة في العالم الإسلامي، تخرج فيها العلماء الأفذاذ بل أسهمت هذه الديار الديار الإفريقية في التنظير والإضافة -كما تعلمون أيها السادة العلماء- إلى الحضارة الإسلامية، ولقد أضافت هذه الديار بأن أسست المذهب والمدرسة المالكية، كما أضافت بأنها أسهمت في إقامة نظرية في النقد الأدبي وكذلك أسهمت في إقامة علم العمران البشري على يد ابن خلدون. ولكنني اليوم آتيكم من هذه الجامعة التي تخرج فيها ابن عاشور علامة هذا العصر وهي أثر بعد عين؛ بعد ستين سنة من المؤامرة عليها من قبل النظام السابق “بورقيبة” الذي أغلق وأتم هذه المهمة بنعلي، المهم أن هذه الجامعة وأن الزيتونة في بلادنا لا تموت، بل أقول لكم إننا معشر الشباب الزيتوني بالروح الإسلامية العريقة وبالأصول الأصيلة لمصمِّمون العزم على أن نعيد أمجاد هذه الجامعة. هذه الكلمة لابد منها في ذكرى المؤتمر العالمي الأول للباحثين في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، أمّا الكلمة الثانية فهي تتعلق بالموضوع في حدّ ذاته، وحديثي في هذا الموضوع سيكون من زاوية مختلفة لأنني أومن -باختصار شديد- أن المغرب الأقصى يقوم بدور تنظيري للثقافة العربية وللثقافة الإسلامية، بل بحكم ابتعاده عما يُكتب شرقاً ومغرباً في الدراسة الإسلامية؛ لأن المغرب الأقصى يتبوأ المكانة الأولى في التنظير للثقافة الإسلامية؛ بل إن المغرب الأقصى اليوم يمتاز بنخبة مثقفة إسلامية وغير إسلامية قلّ نظيرها في العالم الإسلامي، ومن هنا لا أستغرب أن ينعقد هذا المؤتمر بدياركم، ديار الغرب الإسلامي، ديار المغرب الأقصى، ولكن الذي أطلبه في الحقيقة من هذا المؤتمر وهو يبحث عن جهود الأمة في خدمة السيرة النبوية أن يقوم بدور تنظيري في هذا المجال، فأقول لكم إن ما كتب عن السيرة النبوية لابد أن يعاد النظر فيه، أن يعاد النظر فيه من زاوية أننا لابد أن نكتب كتابة علمية علم السيرة النبوية ترقى إلى مستوى التنظير الذي قام به الشاطبي وقام به ابن خلدون، فلابد من كتابة لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم كتابة علمية نسقية يمكن أن نفسِّر بها حياة الإسلام. أن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم هي التطبيق العملي للقرآن الكريم كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها >كان خلقه القرآن<، وأنا أعتقد أن الله سبحانه وتعالى قد بنى هذا الكون على سنن، وبنى الكون والاجتماع الإنساني على سنن وعلى قوانين، سيرة محمد صلى الله عليه وسلم فيها سنن وقوانين، إذا تسلحنا بهذه المنهجية وبهذه العقلية فنحن قادرون على أن نقرأ ما كتبه السالكون قراءة نقدية، فكثيرا ما كُتب في السيرة أشياء لا تمت إلى العقل ولا تمت إلى النقد بصلة، بل نُشر في الكثير من كتبها الضعيف والموضوع، بل أكاد أقول بلغة العصر نقد الحديث لقد صُوِّر النبي في كثير من الأحيان صورا أسطورية. بينما النبي هو الشخصية الوحيدة في التاريخ كما قال الباحثون قد ظهر محمد صلى الله عليه وسلم في التاريخ هو الشخصية التاريخية الإنسانية بعكس عيسى بعكس موسى وبعكس أصحاب الرسالات السابقة الذين كانوا في الحقيقة شخصيات أسطورية، فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الشخصية الوحيدة التاريخية أي القابلة لأن نفهمها نحن بعديا فهما علمياً قابلا مفسرا. سيدي الشاهد وأنتم أهل علم وتنظير في الحقيقة أقولها وأقررها على المغرب وعليكم كذلك أن تكتبوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كتابة تاريخية كما كتب ابن خلدون كتابة تاريخية عن علم العمران، وكما كتب الإمام الشاطبي كتابة علمية عن الأصول، بل إنه استخلص المقاصد من الأصول، نحن أهل الغرب الإسلامي أهل التنظيم وأهل الإضافة، والمطلوب منا أن تبدأ اليوم سيرتنا الفكرية والعلمية لتعيد النظر في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم. نحن في حاجة إلى هذه الجهود والمغرب الأقصى هو صاحب هذه الجهود، أشكركم على سعة صدركم وعلى سماع فتى قليل العلم قليل المعرفة، ولكن هذا ما نرجوه من هذه الندوة ونريد لها أن تستمر في خدمة سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يعقل أن نبقى في الأفعال، في الحقيقة كان حاضراً أمامي أن هذا هو العمل العلمي البسيط الذي يُردّ به على أعداء الإسلام، لا يُرد بخلق التكرار ولا يُرد بالأفعال الطائشة، إنما نحن أنصار محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذي علمنا الحلم وعلمنا العلم وعلمنا أن يكون كل شيء بالأسباب. فأرجو من هذا المؤتمر النجاح وأرجو من علماء المغرب وأبناء المغرب أن يسيروا في منهج تنظيري. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>