حين أملت مصلحة صيانة السنة وتأمين نقلها تدوينها كما دُون القرآن الكريم، انبرى أعلام المحدثين لتدوين مرويات السنة النبوية، فكان جمع أخبار السيرة النبوية بكل قضاياها واهتماماتها مندرجا تحت التدوين الشامل للسنة النبوية. وبيان ذلك أن المحدثين حين دونوا المرويات الحديثية المتصلة: “بالإيمان” و”العلم” و”الطهارة” و”الصلاة” وغيرها مما يؤصل لأحكام الخطاب الشرعي من الزاوية الحديثية، ضموا إلى كل ما ذُكر المرويات المتعلقة “بالمبعث” و”الدعوة” و”الهجرة” و”الشمائل” و”الدلائل ” و”المغازي” الخ.. مما له تعلق مباشر بسيرته صلى الله عليه وسلم. كما أصبحت لأهل الأخبار ولأهل التاريخ إسهامات عديدة في مجال توثيق علم السيرة النبوية و التصنيف فيه. وبرزت هذه المشاركة بصفة جلية في فن:”المغازي والسير” كما هو صنيع التابعي عروة بن الزبير أبي عبد الله القرشي المتوفى عام : 94 هـ في مغازيه و كما هو صنيع موسى بن عقبة المتوفى عام 141 هـ في مغازيه وصنيع ابن إسحاق المتوفى عام: 151 هـ في:”السير والمغازي”و غيرهم كثير. و بهذا يتضح أن علم:”السيرة النبوية” حقل معرفي شرعي يتجاذبه البحث الحديثي والبحث التاريخي مع وجود اختلاف عميق بين المجالين من حيث:”المرجعية” و”منهج التوثيق” و”أدوات البحث” و”الأثر في الفقه والتشريع” وجودا أو عدما.
وأما خصائص التقويم الحديثي لمرويات السيرة النبوية فيمكن إجمالها فيما يأتي: أ – ينصب التقويم الحديثي لما رُوي في السيرة النبوية على مصادر هذا العلم سواء المتخصص منها أو غير المتخصص. فمن المتخصص منها المؤلفات في المغازي و السير ..ومن غير المتخصص المؤلفات في علم الحديث نفسه أو في علم التاريخ العام أو في علم الطبقات و الرجال .. ب – تتنوع مجالات التقويم الحديثي لمرويات السيرة النبوية بتنوع اهتمامات علم السيرة نفسه، ذلك أنها غير منحصرة في مجال دون آخر، بل هي مستوعبة لكل ما اعتنى به أهل المغازي والسير على جهة العموم. فقد أخضع أهل الحديث مجمل ما تناوله علماء السيرة وغير علماء السيرة مباحث وقضايا السيرة النبوية إلى مقاييس النقد والتقويم ولم يستثنوا من هذا الصنيع نوعا دون آخر أو ضربا دون غيره .
د. إدريس الخرشافي كلية الشريعة – فاس