يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى : أما الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره في الدنيا إلى الله تعالى في الدعاء ففيه تفصيل : فإن الداعي تارة يقول : بحق نبيك أو بحق فلان، ويقسم على الله بأحد من مخلوقاته(1) فهذا محذور من وجهين: أحدهما : أنه أقسم بغير الله، والثاني اعتقاده أن لأحد على الله حقا، ولا يجوز الحلف بغير الله، وليس لأحد على الله حقا، إلا ما أحقه على نفسه، لقوله تعالى : {وكان حقا علينا نصر المومنين}(الروم : 47). أما حديث ((أسالك بحق ممشاي هذا، وبحق السائلين عليك)) فهو حديث ضعيف عند أحمد في المسند، ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم : يكره أن يقول الداعي : أسألك بحق فلان، أو بحق أنبيائك ورسلك، وبحق البيت الحرام، والمشعر الحرام ونحو ذلك.
وتارة يقول : بجاه فلان عندك… وهذا أيضا محذور، فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لفعلوه بعد موته وإنما كانوا يتوسلون في حياته بدعائه، كما في الاستسقاء وغيره، فلما مات صلى الله عليه وسلم قال عمر رضي الله عنه -لما خرجوا يستسقون- : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسّل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيا. معناه بدعائه.. وليس المراد أن نقسم عليك بجاهه عندك، إذا لو كان ذلك مرادا لكان جاه النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأعظم من جاه العباس. وتارة يقول : باتباعي لرسولك ومحبتي له وإيماني به وسائر أنبيائك ورسلك… ونحو ذلك، فهذا من أحسن ما يكون في الدعاء والتوسل والاستشفاع(2). وكذا التوسل والاستشفاع إلى الله تعالى بصالح العمل فهو أفضل أنواع الاستشفاع إلى الله في الدعاء، والأصل في ذلك حديث أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الخالصة حيث قال كل واحد منهم : ((اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون))(متفق عليه).
ذ. عبد الحميد صدوق
—-
1- وفي الحديث : ((من حلف بغير الله فقد أشرك))(رواه الحاكم وصححه).
2- العقيدة الطحاوية ص 236.