خطوط البناء وبناء الخطوط


بسبب ما عانته الأمة لفترات طوال من نكبات وكبوات، ومن غزو من الخارج وتفجير من الداخل، ومن محاولات مستميتة لإحراق الجذور والبذور واختراق الصدور، فقد تعددت مظاهر النقص والضمور فيها، وتنوعت حاجياتها في النهوض ، ولقد كثرت محاولات الأخيار فيها وتنوعت وتراوحت بين الفشل والنجاح وبين الانحسار والانتشار ، واشتدت حاجة الأمة لكسر القيود التي فرضت عليها ظلما أحيانا، والتي فرضتها على نفسا ضعفا منها وجهلا، وبوعي منها وبغير وعي أحيانا أخرى. ولا سبيل للأمة للخروج من هذا المنعطف التاريخي الحرج إلا بتحديد خطوط البناء والشروع في بناء الخطوط: فالخط الأول هو التربية ثم التربية ثم التربية، فالتربية هي الخط الأول والأولى بالبناء والتشييد لأنه هو الذي يعد الرواحل ويرسخ القيم ويهيئ التربة الصالحة للزراعة.
ولم يضعف أبناؤنا أمام السيول الهادرة والضلالات الواردة إلا للنقص في التربية الإيمانية التي ترسخ في النشء حب الله وحب دينه والمسارعة في الامتثال لأمره، وتجعل الفرد نموذجا لعبد الله الصالح الراشد القوي الأمين. والخط الثاني هو بناء منظومة تعليمية مؤمنة في مبادئها قوية في برامجها وأهدافها، واقعية في تنزيلها: فتعليمنا تنخره الهشاشة العلمية والانحراف عن مقاصد الدين، و ومناقضة حاجات الأمة الحقيقية، ويغلب عليه التعليب والتغريب، ويزيد في توهينه التبعية والتقليد، وينضح بروائح العلمانية والإلحاد، ويساير الأهواء والشهوات، ويبث الشكوك والشبهات. لذا فهو الخط الثاني والجبهة الثانية في العمل وتركيز الجهود، ولا خيار للأمة إلا بتحرير هذا الخط وبنائه وفق ما أمر الله به ، فلا علم ولا تعليم إلا إذا كان منطلقا من روح الإسلام في تصور الحياة والكون والمصير والرسالة، ولا علم إلا وهو رباني وإنساني في ذات الوقت. والخط الثالث هو إقامة العدل والتزام الشورى: فأمتنا كم أوتيت من جهة غياب العدل وغياب الشورى، وبسبب الظلم والاستبداد كم تراجعت القهقرى. فتحتاج اليوم إلى ترسيخ قيم العدل في كل شأن من شؤون الحياة الفردية والجماعية، الخاصة والعامة، كما يحتاج أبناؤنا إلى التربية على خلق التشاور والتعاون في الخير ، والتناصح والتواصي بالعدل والشورى والعمل بهما. إن هذه الخطوط الثلاثة هي خطوط البناء التي تحتاج إلى الوعي بها والعمل لها: {والعصر إن الانسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}.
د. الطيب  بن المختار الوزاني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>