حكم الـرشـوة فــي الإســلام


يقول الله تعالى في محكم كتابه المبين {ولا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتاكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وأنتم تعلمون}(البقرة : 188). لقد ذكرت الآية الكريمة حالا من أحوال العرب في الجاهلية حيث كان شائعا عندهم أكل المال بالباطل بل كان أكثر أحوالهم المالية، فإن اكتسابهم كان من الإغارة ومن الميسر ومن غصب القوي مال الضعيف ومن أكل الأولياء أموال اليتامى ومن الغرور والمقامرة ومن الربا ونحو ذلك وكل ذلك من الباطل. والأكل حقيقته إدخال الطعام إلى المعدة من الفم وهو هنا للأخذ بقصد الانتفاع دون إرجاع لأن ذلك الأخذ يشبه الأكل من جميع جهاته. والأموال جمع مال وهو القدرة على إقامة نظام معاش أفراد الناس، والمال على ثلاثة أنواع :

النوع الأول : ما تحصل تلك الإقامة بذاته دون توقف على شيء وهو الأطعمة كالحبوب والثمار والحيوان لأكله وللانتفاع بصوفه وشعره ولبنه وجلوده وركوبه قال تعالى {وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم وبوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا الى حين }(النحل) أي خيام خفيفة سهلة الجمع والطي أثناء السفر وسهلة البناء أثناء الإقامة. وقد سمت العرب الإبل مالا.

النوع الثاني : ما تحصل تلك الإقامة به وبما يكمله مما يتوقف نفعه عليه كالأرض للزرع وللبناء عليها والنار للطبخ والإذابة والماء لسقي الأشجار.

النوع الثالث : ما تحصل الإقامة بعوضه مما اصطلح البشر على جعله عوضا لما يراد تحصيله من الأشياء كالنقد والعملة والذهب والفضة. والآية الكريمة صريحة في تحريم الرشوة، وهي ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل، أو هي ما يمده المحتاج من مصانعة ومال ونحوه لنيل حاجة متعذرة، أو ما يدفعه ظالم لأخذ حق ليس له. وفي الأثر عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة يخرص بينه وبين يهود خيبر، قال : فجعلوا له حليا من حلي نسائهم فقالوا : هذا لك فخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله بن رواحة يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي وما ذلك بحاملي على أن أحيف عنكم فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها، فقالوا : بهذا قامت السماوات والأرض (التمهيد : 9/139 وهو مرسل). وهي حرام بالكتاب والسنة، أما بالكتاب فبما سبق من الآية الكريمة، ومن السنة فعن أبي حميد الساعدي قال : استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد على صدقات بني سليم. يدعى ابن اللتبية. فلما جاء حاسبه. قال : هذا مالكم. وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم >فهلا جلست في بت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك، إن كنت صادقا؟< ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال >أما بعد. فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولا ني الله. فيأتي فيقول : هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي. أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، إن كان صادقا.
والله! لا يأخذ أحد منكم منها شيئا بغير حقه، إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة. فلأعرفن أحدا منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء. أو بقرة لها خوار. أو شاة تيعر). ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه. ثم قال: (اللهم! هل بلغت؟) بصر عيني وسمع أذني. وفي حديث ابن نمير : (تعلمن والله! والذي نفسي بيده! لا يأخذ أحدكم منها شيئا). وزاد في حديث سفيان قال : بصر عيني وسمع أذناي. وسلوا زيد بن ثابت. فإنه كان حاضرا معي. وفي رواية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على الصدقة. فجاء بسواد كثير. فجعل يقول : هذا لكم. وهذا أهدي إلي. فذكر نحوه. قال عروة : فقلت لأبي حميد الساعدي : أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : من فيه إلى أذني(مسلم : 1832). وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >من شفع لأخيه شفاعة فأهدى له عليها فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا<(صحيح أبي داود : 3541 وهو حسن). وقد حذر الشرع من التعاون على الرشوة فقال {ولا تعاونوا على الاثم والعدوان} ففي التعاون عليها تعاون على الظلم والفساد والإفساد فالراشي يعين المرتشي على الظلم. وأسباب الرشوة كثيرة نذكر منها: > ضعف الإيمان بالله تعالى.
> عدم الثقة في رزق الله الحلال.
> الرغبة في الثراء الفاحش السريع. والرشوة نوعان :
> ما يتوصل به إلى أخذ شيء بغير حق : (إعفاء ضريبي، بيع سلعة فاسدة)ا
> ما يتوصل به إلى تفويت حق على صاحبه بدافع الحسد والغيرة. وقد بين الشرع أنها تجر على صاحبها الويل والتبار فمن ذلك : – اللعنة من الله : عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما<(الجامع الصغير للسيوطي : 7255) وفي رواية أخرى :” لعنة الله على الراشي والمرتشي<(صحيح الترغيب للألباني : 2211 وهو صحيح). – دخول النار : عن خولة بنت قيس الأنصارية قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة<(صحيح البخاري : 3118).
- عدم إجابة الدعاء : عن أبي هريرة ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا. وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال : {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} وقال : {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم }. ثم ذكر الرجل يطيل السفر. أشعث أغبر. يمد يديه إلى السماء. يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك؟ (صحيح مسلم : 1015). – وقد أجاز بعض الفقهاء دفع الرشوة فقط من أجل دفع ظلم أو رد حق شريطة أن يتيقن من أنه لا يستطيع التوصل إلى دفع هذا الظلم أو رد هذا الحق إلا إذا دفع رشوة لمن بيده القدرة على ذلك، والآثم هنا يقع على الآخذ دون المعطي قال تعالى { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم} وورد في الأثر أن ابن مسعود كان بالحبشة فأخذ بشيء فرشا بدينارين حتى خلي سبيله وقال :”إن الإثم على القابض دون الدافع”.

ذ. امحمد رحماني

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>