خطبة منبرية – الظلم بين الأزواج


الخطبة  الأولى

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين وبعد:

عباد الله:

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: ((إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك اذا اخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}))(رواه البخاري ومسلم). وفي الصحيح: ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة))(رواه مسلم).

الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، والظلم انحراف عن العدل، وهو التعدي عن الحق إلى الباطل.

امرأة تشكو زوجها، ومكفول يشكو كفيله، وضعيف يشكو القوي الذي اعتدى على حقه، وجار يشكو من بغي جاره، وصور كثيرة وأحداث عجيبة.

الظلم يجلب غضب الرب سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وهو يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، والظالميُحْرَمُ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم

بجميع أنواعها، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغار الظالم عند الله وذلته، وما دُمرت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين}(الأنعام:45).

عباد الله:

إن الظلم تعدٍ على حدود الله عز وجل: {َمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}(البقرة : 229) فما من صورة ظلم إلا وهي تعد على حدود الله، فانظر وراقب نفسك.

الظلم حرمان لصاحبه من الفلاح، قال تعالى:{ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }(الأنعام: 21)، وبقدر ظلم العبد يكون حرمانه من النعم، وليس بالضرورة نعم المال والجاه، فقد يحرم نعمة الطمأنينة فيظل خائفاً، أو نعمة الصحة فيعيش مريضاً، أو نعمة الراحة فيعيش قلقاً.

عباد الله: بالعدل يبسط الأمن، وتعم البركة في الأرزاق والأقوات والأوقات، أما الظلم فيسبب نزع البركات، ومحق الأقوات والثمرات والأوقات.

ونحن إذ نتكلم عن الظلم لا نعني أحدا غيرنا، فنحن جميعا بصورة أو بأخرى بكثير أو بقليل قد نمارس شيئا من الظلم على أنفسنا وعلى غيرنا ممن نتسلط عليه ونقدر على ظلمه.

إن صور الظلم كثيرة غير أن المفروض أن نتكلم عن الصور التي تخصنا، في ممارساتنا اليومية في معاملاتنا الدائمة في بيوتنا وفي أعمالنا.

فمن أنواع ظلم الزوج لزوجته:

- أكل مالها باطلاً: ومنه أكل مهر الزوجة كله أو بعضه، و عدم الوفاء لها به إذا أخر، ومنه التصرف في ممتلكاتها رغماً عنها، ويدخل في ذلك كل ما تملكه من مال أو حلي أو عقار أو غيره.

- ترك النفقة عليها وعدم الاهتمام بمتطلباتها من طعام وكسوة وإسكان بالمعروف.

-  إساءة عشرتها والقسوة والغلظة عليها دون سبب شرعي، والإضرار بها بالسباب واللعن والضرب مما ترفضه الشريعة السمحاء.

-ترك الزوجة جاهلة بدينها دون تعليم لها ولا تربية، وخاصة ما يجب عليها معرفته من أركان الإسلام وأحكام فقهية تخصها كأبواب الطهارة من الحيض والنفاس وغير ذلك.

- منع الزوجة من صلة أرحامها كوالديها وإخوتها وغيرهم دون عذر شرعي مما يعتبر ظلماً لها ولأرحامها.

- ومن الظلم الشائع عند تعدد الزوجات، عدم العدل بينهن فيما يقدر عليه الزوج كالنفقة والكساء والسكن والمبيت والمعاملة، فكم من زوجة تشكو ظلم زوجها الذي هجرها هجراً ظالماً، فمال كل الميل إلى الزوجة الثانية، وما عرف للعدل سبيلاً، نسي التي بنت معه حياته من أولها وضحت معه بكل قوتها، فليتق الله هؤلاء الأزواج.

- ومن الظلم عدم تمكين الزوج من نفسها دون عذر شرعي، وفيه ظلم للزوج من عدة جوانب، من ذلك معصيته وعدم طاعته، وظلم له أيضا لكونها تسببت بذلك تطلعه لغيرها، وعدم غض بصره وقد يؤدي به الأمر إلى الوقوع في الفاحشة فقد قال صلى الله عليه وسلم

: ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فبات غضباناً عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح)).

ومن الأسباب أن الزوجة لا تتزين إلا  قصد الحضور في الحفلات والأعراس والمناسبات، فلا يظهر جمالها إلا عند الخروج للشوارع والطرقات وعند استدعائها للحفلات، أما داخل البيت فإنها لا تلبس من الثياب إلا البالية ولا تجد للتزين وقتا ولسان حالها يقول “في الدار اقض” فكيف تقر عين زوجها بها وكيف تغنيه عن النظر إلى غيرها، وبذلك تشترك معه في الإثم لعدم إعانته على غض بصره وتحصين فرجه.

أما أنواع ظلم الزوجة لزوجها فمنها:

- ترك طاعته بالمعروف وفي هذا ظلم للزوج وترك لحق من حقوقه التي أوجبها الله عز وجل على الزوجة لزوجها، حيث إذا أطاعته يقال لها: ((اُدخلي من أي أبواب الجنة شئت)).

- إهمال تربية أولاده وعدم الحرص على صحتهم ونظافتهم، وتركهم في الشوارع وأمام الشاشات.

- سوء عشرة الزوج وإساءة الأدب معه بالأقوال أو الأفعال مما يحدث له من الغموم والهموم والقلق ما ينغص عليه الحياة.

- إنكار جميله ومعروفه وعدم شكر أفضاله عليها بمجرد أن ترى في يوم من الأيام ما تكره. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم

قوله: ((تكثرن اللعن وتكفرن العشير)).

- إرهاق الزوج بالنفقات الباهظة من غير حاجه مما ينشأ عنه إغراقه في ديون لا يستطيع تحملها، ومن الزوجات من دفعت زوجها إلى السلف عن طريق الربا فأصبح لكل منهما حظه من الحرب من الله ورسوله.

- ومن ظلم الزوجة لزوجها عدم أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ويكون الظلم أشد عندما تعينه على الوقوع في المنكرات أو تحثه وتلح عليه، فما أشد ظلمها لنفسها ولزوجها ولأولادها، وقد كانت الصحابية تنصح زوجها عند خروجه قائلة: “اتق الله فينا لا تطعمنا إلا حلالاً  فإننا نستطيع الصبر على الجوع في الدنيا ولا نستطيع الصبر على نار جهنم”.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه، أما بعد،

عباد الله:

من أنواع الظلم:

- طلب الزوجة الطلاق من زوجها من غير سبب شرعي إلا المضارة للزوج ومسـاومته والتعالي عليه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم

: ((أيمـا امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة)).

- ومن الظلم قيام أحد الزوجين بالوقيعة بين الزوج الآخر وأولاده، وشحن صدورهم عليه مما ينشأ عنه حقد الأولاد وكراهيتهم له.

- ومن ظلم الزوج لزوجته هجر فراشها، والالتجاء إلى غيرها في الحرام، وقد ثبت في حديث الإسراء والمعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم

: رأى رجالاً أمامهم لحمةُ نقية جميلة ولحمة نتنة وهم يأكلون من اللحمة النتنة فقال من هؤلاء يا جبريل؟ قال ((هؤلاء الزناة يتركون اللحم الطيب ويأكلون اللحم النتن الحرام)).

ومن الظلم ما يقع من الأبناء عند موت الأم أو عند موت الأب حرمانهما من رغبتهما في الزواج، مما يدفع الكثير من الآباء إلى التفكير وربما الوقوع في فاحشة الزنا.

إن جريمة الزنا تشتد شناعتها، ويعظم إثمها إذا وقعت من رجل قد كبر سنه، وشاب شعره، عن أبي هريرة  رضي الله عنه

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر)) أخرجه مسلم، وعنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

: ((أربعة يبغضهم الله: البائع الحلاف، والفقير المختال، والشيخ الزاني، والإمام الجائر))(أخرجه النسائي).

اللهم احفظنا بحفظك ووفقنا لما يرضيك وجنبنا أسباب سخطك وعقوبتك اللهم صلِّ  وسلم وباركعلى عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

د. الوزاني برداعي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>