حــلاوة الإيـمـان


عن أنس بن مالك رضي الله عنه

عن النبي  صلى الله عليه وسلم

قال : ((ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فيه وَجَدَ حَلاَوَةَ الإيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ورَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا  سِوَاهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا َيُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ تَعَالى، وأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ في النَّار))(رواه الخمسة إلا أبا داود).

الدلالات اللغوية والاصطلاحية :

وجَدَ حلاوة الإيمان : شَعَرَ بالحلاوة، وذَاقَ طَعْمَهاَ ولَذَّ تها أثناء الممارسة للعمل الفكري والتطبيقي لما يوجبُه الإيمان الكامل، ويقتضيه الإيمان الصادق، كالخشوع في الصلاة، وصَوْم الجوارح والمشاعر والأفكار عن كل قبيح، والرضا  القَلبي بالصدقات والزكوات، والزيارات للمرضى، واتباع الجنائز، وصلة الأرحام، ومحبة الوالدين، والرغبة في بذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله.

أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما : أي لا يُقدِّم على طاعة الله عز وجل والرسول  صلى الله عليه وسلم

أيَّ طاعةٍ لشيء غَيْره، ومعنى هذا أن يحبَّ الدنيا بزينتها وشهواتها في طاعة الله عز وجل ورسوله، فلا إقبال على المكسب الحرام، ولا إقبال على المأكل الحرام، ولا إقبال على المرأة الحرام، ولا إقبال على المشرب الحرام، ولا إقبال على السلطة الحرام، والسياسة الحرام، بل يحب الزوجة والأولاد والآباء والأموال والمساكن لنيل رضا الله، وهنا تكون محبة الله تعالى ورسوله فوق كل محبة، ولو كان في ذلك تَلَفُ النفس وإغضاب الزوجة والأولاد والحزب والمذهب…

وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله تعالى : أي أن تكون محبته للمسلمين جميعا لله، وليس لمصلحة خاصة، أو تَزَلُّفا لنيل منصب، أو بُغْيَةَ خداعه أو استغلاله، وفي طليعة هؤلاء المسلمين :الزوجة، والولد، والأب، والجار، والصديق فهؤلاء مسلمون وجيران وأقرباء وآباء، فالزوجة تُحَبُّ لإسلامها أولا ولزوجيتها ثانيا، ولكونها أمانة في يديك ثالثا، وهكذا….

فلو كان المسلمون يحبون بعضهم بعضا لله تعالى لانقطعت المشاكل، وتوطدت الروابط ورفرف عليهم نصر الله، ونالتهم بركة الله تعالى الجامعة لكلمتهم.

وأن يكره أن يعود في الكفر : الكفر هو أساس الفساد والشقاء، وأساس الظلم الفردي والمحلي والدولي. والإيمان أساس الصلاح والإصلاح، وأساس الرضا والاطمئنان، وأساس القوة الروحية والمعنوية وأساس التغيير والتحويل للتاريخ، فكيف يحِنُّ إلى غاية الكفر ومَسْبَعَةِ وَحْشِيَّتِهِ من دَخل رياض الإيمان، وجِنَان الرضوان؟

فـي  رحـاب  الـمعنى :

1- معنى الحب : الحبُّ معناه : احْتِلال الشيء المحبوبِ قَلْبَ المُحِب احتِلالا كاملا لا يَتْرُكُ المجالَ لشيء آخر ينافِسُهُ فيه، أو يشارِكه فيه، أو يُنسيه محبوبَه، ويُنسيه التفكير فيه والعَيْشَ معه في كُلِّ اللحظاتِ خيالا، وشعورا، وتلذذا، وفكرا، وتقربا، وحصرا للْبَالِ في المحبوب الذي احْتَلَّ سويداء القلب، فالمحِبُّ للمال مثلا تفكيره كلُّه مُنْصَبٌّ على المال تخطيطا، وحُلما، وجمعا، والمُحب للزوجة مثلا فسفرُه لها، وإقامتُه لها، ونشاطُه لها، وراحتُه لها… وكذلك الزوجة المُحِبَّة لزوجها، وباختصار : الحُبُّ هو السيطرة الكاملة للحبيب على المُحب، فإذا توزع الحُبُّ بين شيئين أو أشياء كان الحبُّ حُبّا كاذبا مُدّعى  لا أساس له من الصحة القلبية، وكان صاحبه منافقا خالصا، ولهذا قال تعالى : {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ}(الأحزاب : 3).

2- المستحق للحب أصالة، والمستحقون للحب تبعا :

إذا وُجدَتْ امرأةٌ يُغْدق عليها زوجُها الكثير من الجُهد والعرق والكثير من الرعاية المادية والمعنوية، ومَالَتْ نفسيتُها للغريب المفترسِ تُعتبر خائنة، وكذلك الولد يَعُق أباه ويُدني صديقَه، ويعُق أمَّه ويفضل زوجته عليها، يعتبر خائنا للبرور المطلوب إيمانيا وإنسانيا، وقلْ مِثل ذلك في المقرَّبين الذين يخونون رؤساءهم وينقلبون عليهم.

هذه أمثلة بسيطة تمثل الخيانة في الحب، أو العَمَى في الحب، أو الحَوَل في الحب، لأن المحِبَّ يتركُ من يستحقُّ أن يُحَبَّ، ويُحبُّ من لا يستحقُّ أن يُحَبَّ.

لكن العِوَج الكاملَ في الحب يتمثل فيمن يُحِبُّ المال، ولا يَلْتَفت لربِّ المال، ويحب الدنيا ولا يلتفِتُ لربِّ الدنيا، ويحب الزوجة وينسى الذي خلقها له، وجعلها مُتعة وسكَنا ومستقرا له، وفيمن تحبُّ الزوجَ وتنسى  خالقه ومسخِّره لها، أو تُحِبُّ الزوجة والزوج الأولاد وينسيان المتفضل بهم عليهما. فهؤلاء كلهم يحبُّون النعمة وينسَوْن المُنعم عليهم بها، وذلك هو الحُمق في الحب، والجَهْل في الحُب، والسفاهةُ في الحُبِّ، ولذلك فصاحب هذا الاعوجاج لا يُسَمَّى خائنا فقط، ولكنه يسمى كافرا وجاحدا ومعاندا ومحادّاً ينتظر القوارعَ المنبهَة لالتواء فطرته وفسادها.

ولوُجود أناس مُعوجِّين إما اعوجاجا كليا بانصرافهم عن الله عز وجل بالكلية واتجاههم إلى أهوائهم، وإما اعوجاجا جزئيا بإشراكهم مع الله غير الله من لا يخلق ولا يرزق ولا يحيى ولا يميت ولا ينفع ولا يضر.

كان القرآن الكتاب المنزل لإرشاد البشر إلى الحق الذي يستحق أن يتوجه الناس إليه بالحق.

وكانت الرسُلُ المرسَلَةُ لدلالة البشر على الله عز وجل صارمةً أيضا، نكتفي بذكر بعض الآيات الصارمة في مسألة الطاعات من يستحقها، وهل تُقبل الازدواجية فيها، لأن الطاعة عُرْبُون المحبة وبُرهانها : {يَا أَيُّهاَ الذِينَ آمَنُوا لاَ تقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسولِهِ} (الحجرات :1) {ومَا كانَ لِمُومِنٍ وَلاَ مُومِنَةٍ إِذَا قَضى اللَّهُ ورَسُولهُ أَمْراً أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنَ امْرِهِمْ}(الأحزاب : 35)

{قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَامُرُونِيَ أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهِلُونَ ولَقَدْ اوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ اشْرَكْتَ لَيَحْبَطَن عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرينَ}(الزمر : 64)

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المومِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (النور : 51).

وفي مسألة مختلف العلاقات بين المومن وربه، وبين المومن وغير الله تعالى كانت هذه الآيات الحاسمة :

{يَاأَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون، قُلْ إِنَ كَانَ آبَاؤُكُمْ وأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْواَنُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وعَشيرَتُكُمْ وأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهاَ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسوُلِهِ وَجِهَادٍ في سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى ياتي اللَّهُ بِأَمْرِهِ واللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الفَاسِقِين}(التوبة : 24).

{لاَ تَجِدُ قَوْماً يُومِنُونَ بِاللَّهِ والْيوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورسُولَهُ ولَوْ كاَنوا آبَاءَهُم اوَ ابْنَاءَهُمْ أَوْ اخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم أُولَئِكَ كَتَبَ في قُلُوبِهُمُ الايمَانَ وأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ويُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الانْهَارُ خَالِدينَ فيها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُون}(المجادلة : 22).

{يا أَيُّهَا الذينَ آمَنُوا لاَ تتَّخِذوا الْيَهُودَ والنَّصَارى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمُ أَوْلِيَاءُ بَعْض ومَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدي الْقَوْمَ الظَّالِمِين فَتَرَى الذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ ياتِيَ بِالْفَتْحِ أَوَ امْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا في أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ يَقُولُ الذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاَءِ الذينَ أَقْسَمُوا باللَّهِ جهْدَ أَيْمَانِهِمُ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ اعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرينَ يَا أَيُّها الذينَ آمَنُوا مَنْ يرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِيَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَه أَذِلَّةٍ على المُومِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدونَ في سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخافُونَ لَوْمَةَ لاَئِم ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُوتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ والذينَ آمَنُوا الذين يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ  ويُوتُونَ الزَّكَاةَ وهُمْ راكِعُونَ ومَنْ يتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ والذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة : 56 -51).

  المفضل فلواتي  رحمه الله تعالى

 

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>