المرأة بين الوحي والمدونة


تحيي المرأة المغربية كباقي نساء الدنيا اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس من كل سنة، استشعارا لحاجة المجتمع إلى نصفه الذي تعرض في فترات تاريخية لنوع من التراجع عن الأدوار الطبيعية التي خُلقت لها المرأة بموازاة مع أخيها الرجل. ولأجل رفع حالة التنافي التي طرأت للإنسان النوع (رجل وامرأة) بسبب تضييعه لهداية الخلق، علينا أن نفرق بين المرأة في مجتمع القرآن وبين غيره. بين تكريم الوحي وتلقائية الرحمة بين الذكر والأنثى، وبين مجتمع أسس على الغلبة، والحرية المظلومة والنَّدية البينية. وشتان بين حياة طيبة يتمتع فيها الطرفان بأريحيات كل منهما، بدافع المحبة الشرعية الإيمانية والمودة التكاملية، وبوازع ديني يحقق فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله وبين حقوق وواجبات لا يُتوصل إليها إلا بالمقاضاة. إن مجتمع القرآن ليس عنده مركَّب نقص بين عالم الذكورة والأنوثة، فكل منهما خُلق ليؤدي رسالة النوع البشري في هذه الحياة من عبادة الإله الخالق، والاستخلاف في الأرض مُكرَّما بالوحي، مُسخَّر له الكون، مُبشَّر بالخلود في الجنة والنعيم المقيم.

والتذكرة بالتكامل والتوازن الوظيفي الطبيعي إذ جاءت من الخالق في قرآنه كي لا يُخسر الإنسانُ الميزان كما خَسِره بعض أهل الوقت بالجهل والطغيان، قال الذي خلق فسوى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة…}. فأي علاقة زوجية خلت من روح المودة والرحمة في أي أسرة لأي مجتمع فهي عذاب أليم. والتذكرة بالأصل تدفع الندية الواهية، وتستشعر قوة الترابط المتين بين المرأة والرجل أبد الآبدين. قال الله تعالى : {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}(الحج : 13) وقال : {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا}(النساء :1). هذه هي مرحمة الوحي، المرأة من الرجل والرجل من المرأة، تسكن إليه ويسكن إليها. لأنه الأب والزوج والأخ… وهي الأم والزوجة السكن للرجل وهي التي تتشكل من لحمها ودمها البشرية كلها. فالذكر والأنثى أسوياء في الخلق، وسواسي في الحقوق والواجبات، والإسلام يحتفي بالرجل والمرأة المنضبطين المؤمنين الطائعين ويضمن لهما الحياة الطبيعية والسعادة الأخروية. قال تعالى : {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}. فالمرأة إذن مكرمة لأنها ربانية، صينة ديّنة عفيفة، وهي الصانعة للأجيال البانية. قال الله في أمثالها : {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}(النساء : 34).

نعم هي دُرَّة البيت، وتاج الأسرة. قال أحكم الحاكمين : {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله}(التوبة :37). الوحي خَلَّدَ للفضليات دروس التقوية ليزددن إيمانا مع إيمانهن، ذكر عابدات الرحمن وحائزات الشرف. فقال لرسولهصلى الله عليه وسلم : {يا أيها النبي إذا جاءك المومنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعن واستغفر لهن الله}(الممتحنة : 12). وهذه المبايعة من الديِّنات هي في كل عصر ووقت ولها أمثلة الصلاح من امرأة فرعون التي قالت : {رب ابن لي عندك بيتا في الجنة}(التحريم :11) {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها…وصدقت بكلمات ربها} (التحريم : 12). وإن من تكريم الله أن سمى سور القرآن باسم المرأة، كسورة النساء ومريم والمجادلة والممتحنة. وإن تاريخ الصحابيات أمهات المؤمنين والصالحات والحافظات والعالمات يقدِّمُهُن التاريخ للفخر والاعتزاز. وكفى بهن في الدروس والعبر زادا للمرأة وذكرى إلى يوم الدين. فكيف استنكف الناس عن تكريم الله للنساء عموما، وللصالحات منهن خصوصا، واستبدلوه ببذلة القوانين وظنية المساواة؟ قال الله تعالى : {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير}(البقرة : 60). ذلك هو المرأة من خلال المحاكم. نعم، تُحصر الأسرة في المحاكم بعدما كانت عبر أرض الله الواسعة بين الأمر والنهي الإلهيين وطبعا وبعد غياب التدين إلا ممن رحم الله.

وجاءت المدونة يُقنّن فيها مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وتُحْمَى حقوق الطفل وتُصَان كرامة الرجل، ويُنَص على المسؤولية المشتركة للزوجين في رعاية البيت. وأحقية الزوجين في مقاضاة كل منهما للآخر، إذا أخلَّ أحدهما بأعباء الزوجية. فأي حياة أصبحت مبنية على الانتظارات؟! وأية علاقة أضحت في رهان المحاسبة والحراسة الحذرة؟! صحيح أن المجتمع لما أصبح بعض أهله ينجبون خفية عن الشارع والمشرع، واستفحلت ظاهرة الأطفال المهملين، كان لزاما أن لا تعترف الدول إلا بالزواج المُوثق لدحر الزواج السري وغيره الذي لا تترتب عليه آثاره من نسب وهوية وتطبيب وتدريس وحقوق المواطنة الطبيعية.

ولما مَيَّع البعض الطلاق والتطليق، وُكِّل القضاء بالمهمة لينصف المظلوم من الظالم. وهكذا… إن البعد عن دين الله يظهر من خلال استفحال الطلاق والتطليق الذي تعرفه المحاكم أسبوعيا كفاس مثلا حيث وصل العدد سنة 2011 إلى 1583 رسم طلاق. موزعة بين الرجعي 315 والخلعي 512 والاتفاقي 453 وقبل البناء 303. والتطليق للشقاق وصل إلى 1460 سنة 2011 وإذا جمع هذا العدد 3043 مع إحصائيات وأخرى في المملكة فستكون قراءات أخرى للمجتمع. إنه لا يكرِّم الإنسان (رجلا وامرأة) إلاّ العيش بالشريعة وتحكيمها في النفوس والضمائر وإنه لا يقيم ا لزواج و يصونه إلا اعتباره عبادة، واعتباره ميثاقا غليظا، واعتبار الحياة الزوجية أمانة، الرقيب فيها الله علام الغيوب، وأن تكون المرأة مستعدة للأمر والنهي الالهيين. ويكون الرجل وقَّافاً عند حدود الله. وأن تكون العلاقة الزوجية مؤسسة على المحبة الشرعية علاقة مودة ورحمة يباركها الله ويرضى عنها ويكرم بها.
د. إدريس العيشي

اترك تعليقا :

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك استخدام أكواد HTML والخصائص التالية: <a href="" title=""> <abbr title=""> <acronym title=""> <b> <blockquote cite=""> <cite> <code> <del datetime=""> <em> <i> <q cite=""> <strike> <strong>